خاص الهديل :
بقلم: ناصر شرارة
في إسرائيل هناك سؤال ملح مفاده ماذا نفعل مع لبنان؟؟.
هذا السؤال يطرحه الإعلام العبري من زوايا مختلفة؛ ولكن المشترك بين كل هذه الزوايا هي أنها تعتبر أن هذا السؤال بات ملحاً، وبات يحتاج إلى إجابة ملحة وعاجلة ولكن غير مستعجلة؛ وواقعية بمعنى أن لا تكون من نوع تهديدات نتنياهو أو غالانت اللذين اعتادا منذ الثامن من أكتوبر الماضي الظهور في مستوطنات الشمال والقيام بإطلاق التهديد من هناك بالتحضير لرد كبير ضد لبنان وعلى حزب الله!!.
أمس عكس إعلام إسرائيل بكل أطيافه السياسية عدة اتجاهات تتموضع بمقابل سؤال ماذا نفعل في لبنان: اتجاه ربط بين عدم شن ضربة كبيرة على لبنان وبين صورة الردع الإسرائيلية؛ قال أصحاب هذا الاتجاه أن مواجهات الشمال مع حزب الله تهدد صورة الردع الإسرائيلي بالتآكل؛ ويجب أن يتذكر المستوى السياسي والعسكري أن إسرائيل لا تستطيع العيش من دون صورة ردع تخشاها كل المنطقة!!.
إتجاه آخر يوافق على أن الهدف الأساس في لبنان هو استعادة صورة الردع؛ ولكن السؤال هو كيف(؟؟)؛ هل تذهب إسرائيل لحرب شاملة مع لبنان، علماً أن قائد الجيش هرتسي هليفي قال أمس من غزة أنه لا يوجد لديه جنود يكفون لاستمرار الحرب في غزة وحدها!!.
هناك اتجاه ثالث لا يزال يرى أنه يمكن إنهاء الوضع مع لبنان من خلال توجيه عشر ضربات قوية ضده تبدأ بضرب الكهرباء والمياه، الخ.. ويقول أصحاب هذا الاتجاه أنه في هذه الحالة سيهرع لبنان لطلب وقف النار..
الأمر الغريب واللافت في هذا الحوار الإسرائيلي الداخلي حول سؤال ماذا نفعل في لبنان، أن أكثر من تسعين بالمئة من المنخرطين فيه يتجهون للحل العسكري التدميري، ولا يخطر لبالهم التفكير للحظة بالحل السياسي الذي يقوم على فكرة بسيطة تحدث عنها الأميركيون في الأيام الأخيرة وهي أن أفضل طريقة لوقف حريق الشمال (أي شمال فلسطين) هو وقف حريق الجنوب، أي وقف النار في غزة.
وصار واضحاً أن العالم وبداخله إسرائيل، بات الآن موجوداً بين خيارين وبين منطقين؛ الأول يقول أن مشكلة إسرائيل على الجبهة الشمالية هي مشكلة لها علاقة صميمية بمستقبل صورة الردع لديها في كل المنطقة؛ ففي حال لم ترد تل أبيب بقوة على تحدي حزب الله ومحوره الإقليمي انطلاقاً من جبهة الشمال، فهذا يعني أن صورة الردع لإسرائيل دخلت عصر الأفول الإستراتيجي.. أما المنطق الآخر فيقول أن مشكلة إسرائيل في الشمال هي امتداد لمشكلتها في الجنوب؛ وعليه يجب النظر إليها من ثقب نتائج حرب غزة وليس من أية زاوية أخرى مستقلة عن حرب غزة.
يلاحظ هنا أن نتنياهو يقوم في المواجهة على الحدود الشمالية مع لبنان بسجن نفسه داخل رفع شعار الحد الأعلى الذي لا يمكن تحقيقه، وهو استعادة الردع في الشرق الأوسط؛ تماماً كما فعل ويفعل (أي نتنياهو) مع جبهة غزة؛ حيث يسجن نفسه ويسجن الحل في غزة داحل طرحه لشرط الحد الأعلى لوقف الحرب الذي لا يمكن تحقيقه، وهو النصر المطلق المتمثل بالقضاء على حماس.
الفكرة الأساسية هنا هي أن أهداف الحرب التي يطرحها نتنياهو سواء في غزة أو في لبنان، هي من نوع الحد الأعلى (النصر المطلق) التي تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي استمرار الحرب في غزة من جهة، والسير بعيون مفتوحة من جهة ثانية نحو الانزلاق لحرب مدمرة وإقليمية في لبنان.
وخلال هذه الأيام يفترض، كما هو متوقع، أن يصل مبعوث الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين إلى كل من إسرائيل ولبنان.
.. وحسب التصريحات العلنية فإن إدارة بايدن حتى الآن هي مع الرأي القائل بأن مشكلة الجبهة الشمالية يمكن حلها من خلال حل مشكلة الجبهة الجنوبية (أي حرب غزة). وضمن هذا التوجه فإن ما سيفعله هوكشتاين هو التالي: أولاً العمل على حصر النتائج السلبية لإخفاق زيارة بلينكن الأخيرة (فشله بتمرير مبادرة بايدن)، بإطار حرب غزة وداخل ميدانها، وعدم السماح لتأثيراتها السلبية بأن تمتد إلى جبهة إسرائيل – لبنان؛ وعليه فإن هوكشتاين سيقول: بانتظار الحل في غزة فليتم العودة للالتزام بقواعد الاشتباك الخاصة بمواجهات ٨ أكتوبر.
ثانياً- هوكشتاين بدأ مبادراته أو وساطته بطموح فصل المواجهات العسكرية في لبنان عن الحرب في غزة؛ وحينما فشل في ذلك؛ بدل وجهته لتصبح منع تحول المواجهات على الجبهة الشمالية لحرب إقليمية؛ وإبقائها مواجهات منخفضة الوتيرة. وبالتفاصيل، فإن إحدى أهداف مهمة هوكشتاين الحالية هو إبقاء رقم التهجير من شمال فلسطين المحتلة عند حد ال٨٠ الف مستوطن، وأن لا يزيد عليهم ماية ألف مستوطن في الشمال، بدأ ارتفاع وتيرة التصعيد هناك، تلزمهم بتعطيل حياتهم العملية والعامة، والمكوث في الملاجئ.
هل ينجح هوكشتاين بتحقيق أهدافه هذه؛ بكلام آخر هل تنجح أهداف الحد الأدنى لهوكشتاين (تخفيض وتيرة التصعيد بدل وقف النار)، باحتواء أهداف الحد الأعلى لنتنياهو (استعادة صورة الردع في المنطقة انطلاقاً من الشمال)؛ أم أن ما سيحدث هو العكس؛ أي أن مناورات نتنياهو ستنجح مرة جديدة بأخذ واشنطن لتغطية حربه على الجبهة الشمالية؛ كما نجح في المرة السابقة بأخذ بايدن على جبهة رفح لتغطيتها، رغم معارضته – أقله العلنية – لها.