الهديل

خاص الهديل: من بورغنستوك إلى القاهرة: مقارنة بين مساعي السلام في أوكرانيا وغزة

خاص الهديل:

قهرمان مصطفى 

 

“لن يكون هناك سلام دائم” لأوكرانيا “بدون وحدة أراضيها”، بهذه العبارة ختم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قمة السلام التي استمرت يومين في سويسرا، القمة التي عقدت في منتجع بورغنستوك السويسري والتي حضرها وفود من أكثر من 90 بلداً لمناقشة مقترحات كييف لإنهاء الحرب. القمة لم تتم دعوة موسكو إليها، والتي وصفتها بأنها “سخيفة” ومن دون جدوى.

بدايةً يبدو أن القوى الدولية الكبرى احتاجت لأكثر من عامين لمناقشة الأزمة الأوكرانية وضرورة تحقيق السلام، وسط العديد من الأزمات العالمية الأخرى.

في حين كان العالم لم يكن قد تعافى كلياً من من أزمة وباء كورونا، اندلع الصراع بين موسكو وكييف بدعم غربي، الذي أضر بسلاسل الإمداد وأثر سلبا على قطاعات حيوية مثل الغذاء والطاقة، مما أدى إلى تدهور حاد في الاقتصاد العالمي. ثم جاءت أزمة قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي على المدنيين، ما أدى إلى سقوط ضحايا وزيادة الضغوط العالمية، خاصة مع تأثر ممرات التجارة وامتداد التداعيات الإقليمية إلى ما هو أبعد من المنطقة.

في هذا السياق، أتت قمة السلام في أوكرانيا التي عقدت في سويسرا كإشارة مهمة إلى ما يمكن تسميته بـ”دبلوماسية القمم”. وتسلط القمة الضوء على عدم كفاءة النظام الدولي الحالي في تحقيق الاستقرار والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، خاصة مع الانحياز الواضح للقوى المسيطرة في المؤسسات الدولية الكبرى لصالح أطراف معينة على حساب أخرى. وهذا ما بدا واضحاً في أزمة غزة، حيث دعت مصر لعقد قمة دولية بعد ساعات من اندلاع الأزمة، وهي قمة القاهرة للسلام، بهدف تحقيق توافقات دولية حول مسارين: الأول يتعلق بالقضية الفلسطينية من جميع جوانبها التاريخية والشرعية الدولية، والثاني يتعلق بالبعد الإنساني الذي يركز على عدم استهداف المدنيين ومنشآتهم وتقديم المساعدات الإنسانية ورفض التهجير الذي يُعتبر شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية وفقًا للقانون الدولي.

في مقارنة سريعة بين قمتين تتناولان أبرز قضيتين على الساحة الدولية “حرب غزة – حرب اوكرانيا”، نلاحظ مقاربات تشترك في الاعتراف بفشل النظام الدولي الحالي في حل الصراعات الكبرى، مما يعكس الحاجة إلى دور أكبر للقوى الإقليمية لتحقيق الاستقرار. الاختلافات بين القمتين تتجلى في التوقيت، حيث انعقدت قمة القاهرة بعد أيام من اندلاع الصراع، بينما انتظرت قمة سويسرا عامين ونصف، مما يعكس استنفاذ الغرب لوسائل الحسم الميداني دون جدوى.

 

على مستوى الحضور، غابت روسيا عن قمة أوكرانيا ورفضت الحضور، بينما غابت الصين وتمثل حلفاء موسكو بتمثيل ضعيف، مما يعكس اتجاهاً أحادياً يعارض التوافق بين القوى الكبرى لتحقيق الاستقرار، خاصةً في ظل التهديد الجغرافي لدول أوروبا. القمة الأوكرانية تحولت من فرصة لتحقيق السلام إلى محفل لدعم طرف على حساب الآخر، مما يعكس التحيز الغربي في معالجة الأزمات الدولية.

 

غياب الصين عن قمة أوكرانيا يعكس إقصاءً لقوى دولية مؤثرة، في محاولة من الولايات المتحدة والغرب الأوروبي لإبعاد المنافسين وتقويض دورهم في حل الأزمات الدولية، مما يعزز فكرة أن الحل يجب أن يأتي من الغرب. على عكس ذلك، شهدت قمة غزة حرصاً على وجود كافة القوى الإقليمية والدولية لتحقيق توافقات تضغط على أطراف الصراع للوصول إلى حلول مستقبلية.

فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، اللجوء إلى قمة تحمل عنوان “السلام” بادرة جيدة، لكن التحدي الأكبر للغرب يكمن في التحول عن الانحياز لطرف دون الآخر، لتعزيز الوصول إلى أرضية مشتركة تحقق الاستقرار الإقليمي. يتطلب الأمر الاعتراف بوجود قوى مؤثرة تستطيع القيام بدور الوساطة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين في ظل نظام دولي عاجز عن مجاراة المستجدات والأزمات الحالية.

Exit mobile version