الهديل

خاص الهديل: مبابي والكرة: بين الميدان والصناديق الاقتراعية في فرنسا

خاص الهديل..

قهرمان مصطفى..

 

 

 

نجحت رياضة كرة القدم في مناسبات عديدة في توحيد شعوب متقاتلة وفي التأليف بين طوائف متنازعة. والمثال على ذلك كان فوز المنتخب العراقي لكرة القدم بلقب بطل آسيا 2007 الذي أخذ بعداً إنسانياً وسياسياً أشاد به كبار الرياضيين والسياسيين في العالم.

 

وعلى عكس هذا المنطلق بدأت نيران سياسة الانتخابات الفرنسية المقبلة تصل إلى داخل أجواء المنتخب الفرنسي لكرة القدم الذي يخوض في هذه الأثناء غمار بطولة كأس أوروبا “يورو 2024″، حيث ظهرت مشكلة جديدة تتعلق بتسييس المنتخب ووضعه تحت الضغط السياسي. هذا الأمر أُثير بعد توجيه الصحافة أسئلة للاعبين خلال المؤتمرات الصحافية، تتعلق بالانتخابات الأوروبية والانتخابات الفرنسية المقبلة، م أدى إلى استفزاز الاتحاد الفرنسي لكرة القدم ودفعه لإصدار تحذيرات بشأن عدم التأثير السياسي على المنتخب

 

ففي خضم المعترك الأوروبي “بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم”، استغل الصحفيون هذه الأجواء لتوجيه أسئلة للاعبي المنتخب الفرنسي حول الوضع السياسي في فرنسا في ظل الانتخابات التشريعية المبكرة التي من المقرر تنظيمها في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز. وبينما تجنب الكثير من اللاعبين إبداء رأيهم حول الموضوع، اختار بعضهم اتخاذ موقف صريح، مثل اللاعب ماركوس تورام، الذي أكد على ضرورة “الكفاح” لمنع وصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى السلطة.

 

وفي تصريح آخر حظي بمتابعة كبيرة في الأوساط الفرنسية، تحدث النجم الفرنسي كيليان مبابي خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقِد في دوسلدورف بألمانيا بأنه “من الواضح أن المتطرفين يقفون على أبواب السلطة. لدينا الفرصة لاختيار مستقبل بلدنا. أدعو جميع الشباب إلى الذهاب للتصويت”.

 

وأكد النجم الفرنسي أنه لا يريد “تمثيل بلد لا يتوافق مع قيمه”، وأوضح أنه يتفق على “نفس القيم” مع ماركوس تورام، وقال “لقد عبر عن رأيه وأنا أتفق معه”، في إشارة لمعارضته لحزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف.

 

تصريحات كليان مبابي أثارت ردود فعل غاضبة من قبل اليمين المتطرف، الذي اعتبر نفسه مستهدفاً بهذه المواقف وأنها موجهة ضده، خاصةً وأن لاعبي المنتخب الفرنسي يحظون بشعبية كبيرة لدى الفئة الشابة واليافعة، ولديهم القدرة على التأثير وتشكيل الرأي العام وربما حتى تحفيز الشباب على المشاركة المدنية. فهل هناك من يقف وراء توجيه الصحفيين للأسئلة للنجم الفرنسي ذو الشعبية الكبيرة في البلاد، أو بمعنى آخر هل الرئيس الفرنسي ماكرون هو من يدفع بالصحفيين لطرح هذه الأسئلة على النجم الفرنسي للتأثير على جماهير المنتخب الفرنسي؟!

 

بدايةً إذ ما تطرقنا للعلاقة بين الرئيس الفرنسي ماكرون والنجم الفرنسي كليان مبابي سنجد هناك علاقىة يمكن القول عنها بأنها مقربة نوعاً ما، نظراً لما أقر به الرئيس الفرنسي حيال مبابي بأنه “قدم المشورة” لنجم باريس سان جيرمان كيليان مبابي بشأن مستقبله، قبل أن يرفض الأخير عرضاً ضخماً من ريال مدريد للعب في الدوري الإسباني عام 2022، ليجدد مبابي عقده مع باريس بعدما ربطته الكثير من التقارير بالانتقال إلى ريال مدريد، إلا أن مبابي كان ينفي في مقابلات صحفية أن الرئيس الفرنسي لا يؤثر في خياراته المهنية.

 

ثانياً، حضور النجم الفرنسي كرة القدم، مأدبة العشاء الرسمي الذي أقامه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على شرف أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في قصر الإليزيه، وسلطت عدسات المصورين كاميراتهم على حضور مبابي، الذي حظي باهتمام واسع، حيث تقدم باتجاه ماكرون وزوجته، وقام بمصافحتهما، قبل أن يجمعه والشيخ تميم مصافحة ومحادثة سريعة، انضم إليها الرئيس الفرنسي، وانتهت بابتسامات واسعة بين الشخصيات الثلاثة.

 

ثالثاً: مطالبة ماكرون شخصياً، وذلك عبر حسابه في منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي لريال مدريد بالسماح بمشاركة كيليان في الألعاب الأولمبية حتى يتسنى له اللعب مع المنتخب الفرنسي.

هذه الأمور إن دل على شيئ فهو العلاقة التي تربط بين الرئيس الفرنسي والنجم الفرنسي، وهذا ما يدل أيضاً على التصريحات التي توجه بها مبابي حول الانتخابات الفرنسية ومعارضته لليمين المتطرف؛ وهذا يعني أنه يقف بجانب ماكرون أولاً، وبجانب القيم التي تحدث عنها في تصريحاته ثانياً “على حد تعبيره”.

 

من جانب آخر، رد الاتحاد الفرنسي لكرة القدم ببيان يؤكد على “ضرورة احترام حيادية الاتحاد من قبل الجميع” وكل اللاعبين. ليسارع رئيس الاتحاد الفرنسي، فيليب ديالو، ويتصل بمبابي وأنطوان جريزمان ليؤكد على هذه الحيادية بناء على “ميثاق الأخلاق في كرة القدم

 

ويجدر بالذكر أن العشرات من الرياضيين وقعوا بيانا في صحيفة “ليكيب” الفرنسية المختصة في الرياضة، يدعو إلى التصويت ضد اليمين المتطرف، معتبرين ان الرياضية تقوم على قيم أساسية، من بينها التسامح واحترام الآخرين، للحفاظ على تعايش سلمي ومجتمع متناغم رغم تنوعه

أما مدرب المنتخب ديدييه ديشامب، فقال “يجب أن نتذكر أن اللاعبين هم مواطنون أيضًا. هم ليسوا منفصلين عن الوضع الذي تعيشه فرنسا”، مؤكداً أنه لن “يقدم أي نصائح للاعبيه” وأنهم يعبرون عن تحليلهم بكلماتهم الخاصة.

 

من الواضح أن الصحافة تلجأ إلى اللاعبين في مثل هذه المناسبات للحصول على آرائهم حول الشؤون السياسية، ولكن يبقى السؤال المحوري هو: هل ينبغي للرياضيين أن يتدخلوا في السياسة؟ وهل من الصحيح إبعادهم عن هذه المناقشات؟

 

يعتبر المنتخب الوطني لكرة القدم في فرنسا ممثلاً للأمة في المحافل الدولية، ولذا فإن أي تورط سياسي قد يؤثر سلباً على تماسك الفريق ويشوه صورته العامة. من الضروري أن يتخذ الاتحادات الرياضية مواقف واضحة بشأن هذه القضايا لحماية استقلالية الرياضة وعدم تعريض الرياضيين للضغوط السياسية

 

 

مع اقتراب الانتخابات الفرنسية، سيكون التحدي أكبر، حيث يتوقع أن تستمر الصحافة في استجواب اللاعبين بشأن مواقفهم السياسية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تشتت انتباه اللاعبين عن أدائهم الرياضي وقد يؤثر على استعداداتهم للبطولة الأوروبية المقبلة.

 

ختاماً: فإن الانتخابات الفرنسية القادمة يمكن أن تُوقع الساحة السياسية الفرنسية في تداخل هجين بين الرياضة والسياسة سواء من خلال استغلال سياسيين لنفوذهم من أجل السيطرة على مقاعد برلمانية ونيل دعم جماهيرها أو من خلال استغلال رياضيين وخصوصاً من نجوم كرة القدم لشهرتهم وعشق الجماهير الرياضية لهم من أجل دخول معترك الحياة السياسية والفوز بمقاعد انتخابية أو من خلال استغلال أحزاب سياسية كبرى لأهم الأسماء الرياضية في البلاد. القاسم المشترك بين كل هذه الممارسات هو الرّكض وراء المناصب من أجل الإستحواذ على السلطة أو الخوف من أن تكون الأحزاب الفائزة، لها تأثير عليها في الحياة السياسية.

فهل سيكون مشوار لاعبي المنتخب الفرنسي في بطولة اليورو ملتزماً الحياد، تفادياً لأي ضجة قد تؤثر على مسيرة المنتخب أم أن آراء وتصريحات بعض لاعبيه ستؤثر على زملائهم في المنتخب ومشواره؟؟

Exit mobile version