خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
أجرت جامعة حيفا استطلاعاً بين الإسرائيليين حول ثقتهم بقيادة الحكومة الإسرائيلية الحالية؛ فأجاب ٩٠ بالمئة منهم أنهم لا يثقون بها؛ ولا بالطريقة التي تعاملت بها مع الحرب المستمرة.
و٨٨ بالمئة من المستطلعين قالوا أنهم لا يثقون بالكامل أو لحد كبير بأن أداء نتنياهو كان ناجحاً خلال الحرب؛ في حين أن ٧١ بالمئة من الإسرائيليين قالوا أنهم يثقون بأداء الجيش و٧٠ بالمئة يثقون بالموساد والشاباك و٩٠ بالمئة يثقون بالإطفاء ومؤسسات الإسعاف المدني!!
القراءة السياسية لهذه الأرقام تبين التالي:
أولاً- عشرة بالمئة فقط من الإسرائيليين يثقون بالحكومة التي تدير الآن الحرب؛ وهذا يعني أن “المواطن الإسرائيلي” – إذا جاز التعبير – فقد ثقته بالتركيبة السياسية الحالية القائمة على تحالف لا يحترمه كل العالم ومفاده “عناق الدب” بين اليمين الديني – بن غفير وسموترتش، واليمين السياسي المتمثل بنتنياهو.
.. أمس تسربت أجواء اتساع عدم ثقة الإسرائيليين بحكومة أقصى اليمين إلى داخل غرفها الداخلية، وبدأت عمليات نشر فضائح التخبط الحاصل داخلها على حبال الإعلام الإسرائيلي، ونشر موقع إلكتروني نص محادثة هاتفية جرت بين نتنياهو وبن غفير، تبادل خلالها الرجلان الاتهامات بتسريب ما يحدث داخل جلسات الحكومة للإعلام..
قال بن غفير خلال المحادثة الهاتفية لنتنياهو أنه يريد أن يكون عضواً داخل الهيئة الاستشارية المصغرة التي ينوي نتنياهو تجميعها حوله لتكون بديلاً معنوياً عن كابينت الحرب الذي فرط عقده بعد خروج غانتس وآيزنكوت منه. رفض نتنياهو طلب بن غفير، وهاجمه قائلاً: إذهب أولاً وتأكد أنك لا تسرب أخبار ما يحدث داخل مجلس الوزراء للإعلام؛ فأجابه بن غفير: أنا مع سَن قانون بوضع الوزراء على آلة كشف الكذب حتى نعرف من هو المسرب.. وتابع بن غفير: ..وأنا مع أن يطبق هذا القانون حتى على الوزراء الذين يضعون بطارية لتنظيم دقات القلب (طبعاً بن غفير يقصد نتنياهو الذي وضع منذ بداية الحرب بطارية لتنظيم دقات قلبه).
في هذه الغضون التي يتعاظم فيها الخلاف بين قطبي اليمين الديني والسياسي، برز موقف لافت أمس لحركة شاس التي هي جزء وازن داخل ائتلاف حكومة نتنياهو؛ مفاده أن مسألة تفكك ائتلاف الحكومة الحالية لم يعد أمراً محتملاً؛ بل أصبح السؤال متى تتفكك حكومة نتنياهو؟!
.. أضف أن مسألة تجنيد الحريديم وسن قانون يسمح بتوظيف الحاخات، أصبحت من الأمور التي سترسم تماساً من التناقض الداخلي بين تياري اليمين السياسي الذي تعود جذوره لمناحيم بيغين وشامير وغيرهما واليمين الديني الذي تعود جذوره للحاخام كهانا (الكهانيين).. وهناك وجهة نظر بات لها أنصار من متابعي الوضع الداخلي الإسرائيلي تفيد بأن إحدى أهم نتائج حرب طوفان الأقصى المتوقعة ستكون حصول ردة فعل اجتماعية عنيفة في إسرائيل ضد مرحلة حكم الكهانيين، أو بتحديد أكثر ضد مرحلة امتازت بتعمق عامل نفوذ الحاخامات داخل الحياة السياسة للمجتمع وللدولة في إسرائيل.. وسيكون من أبرز ضحايا الانقلاب على مرحلة حكم الحاخامات بنيامين نتنياهو الذي توسل التحالف معهم كي يبقى في السلطة، فيما هم توسلوا حضوره القوي في الدولة كي ينفدوا إلى مفاصل السلطة من خلاله وكي ينتقلوا من مرحلة التهميش السياسي إلى مرحلة النفوذ السياسي.
ثانياً- الإستطلاع يقول أن الجيش يحظى بثقة ٧٠ بالمئة من “الشعب الإسرائيلي”؛ وهذا بلا شك رقم كبير؛ رغم أن نسبة مؤيدي الجيش داخل إسرائيل في الماضي كانت أكبر، وتصل دائماً إلى ما فوق الثمانين بالمئة. ولكن في كل الأحوال يبقى الجيش داخل إسرائيل لديه حالة من القدسية؛ ويوجد إجماع شعبي حوله..
.. غير أن اللافت في استطلاع جامعة حيفا أنه يعطي مؤسستي الإسعاف المدني وإطفاء الحرائق نسبة ٩٠ بالمئة من التأييد الشعبي لهما. وهذه النسب تؤشر لأمر أساسي وهو أن المجتمع الإسرائيلي يشعر بعمق أنه في حالة حريق كبير، وأنه موجود داخل أتون هائل من النار والخطر، وأنه يحتاج بإلحاح لمنقذ، هو بالتأكيد غير نتنياهو وغير حكومة أقصى اليمين؛ وحتى غير أحزاب الوسط واليسار غير الموجودة فعلياً..
قصارى القول أن استطلاع جامعة حيفا يرسم صورة لإسرائيل وهي في لحظة أنها تعاني من احتراق ثقتها بحاضرها وبالغد !!..