خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
السؤال الذي يقفز إلى عقل كل لبناني سواء كان يتفق مع حزب الله أو لا يتفق معه، سواء كان من بقايا ٨ آذار أو ١٤ آذار، هو التالي: لماذا الآن تثير تلغراف موضوع استخدام حزب الله لمطار بيروت في خدمة جهده التسليحي والصاروخي، الخ..
.. من ناحية المضمون ليس هذه المرة الأولى التي يُثار فيها موضوع سلاح حزب الله في مطار بيروت؛ ودائماً كان هذا الموضوع يُثار بتوقيت معين وخدمة لأهداف سياسية معينة.. وعليه فإن السؤال المنطقي بخصوص ما كتبته تلغراف لا يتعلق عن “ماذا كتبت” تلغراف؛ بل “لماذا كتبت ما كتبته”؟؟.. بكلام أوضح ما الهدف السياسي وراء إثارة هذا الموضوع القديم – الجديد الآن في هذه اللحظة؟؟
نقطة البداية للإجابة عن هذا السؤال يجب أن تنطلق من زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى لبنان.. وبخصوص هذه الزيارة يجب التوقف بتمعن عند حقيقة النتيجة التي وصلت إليها؛ ومفادها أنها لم تنجح ولكن بنفس الوقت لم تفشل!!
لم تنجح زيارة هوكشتاين لأنها لم تؤد إلى تحقيق هدفها المعلن الأساسي وهو وقف النار على الجبهة الشمالية ولا حتى إلى تخفيض التصعيد..
.. وبالمقابل فإن الزيارة لم تفشل؛ لأن هوكشتاين عندما وصل إلى بيروت قال أمرين إثنين: الأول أن أفضل طريقة لوقف الحرب على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وعدم توسعها هو وقف النار على جبهة غزة.. وفي هذه النقطة يتفق هوكشتاين مع حزب الله وليس مع نتنياهو..
الأمر الثاني الذي قاله هوكشتاين هو أنه جاء إلى لبنان وإسرائيل كون الوضع غاية في الخطورة.. وهذا توصيف واضح لجهة أنه يؤشر إلى أن الحرب بين لبنان وإسرائيل هي احتمال جدي..
ولكن التركيز يجب أن يظل على النقطة الأولى التي طرحها هوكشتاين، وهي أن النجاح بوقف الحرب على الجبهة الشمالية (بين لبنان وإسرائيل) ممكن ومتاح إذا وقفت حرب غزة؛ وأن النجاح بعدم توسعة الحرب في الشمال ممكن ومتاح أيضاً إذا وقفت الحرب في غزة..
.. وكون وقف الحرب في غزة هو أمر لا يزال خارج يدي بايدن بسبب تعنت نتنياهو السائر في خطة إبقاء النار مشتعلة لغاية وصول ترامب للبيت الأبيض بحسب رغبته؛ فإن مهمة هوكشتاين غيّرت هدفها ليصبح “خفض التصعيد” في الشمال حتى لا يتحول إلى حرب إقليمية شاملة.. وهذا الهدف (خفض التصعيد) سيكون في هذه المرحلة الممتدة حتى انتهاء الإنتخابات الرئاسية الأميركية هو المعتمد أميركياً.. ولكن إدارة بايدن تعلم أنه حتى مهمة خفض التصعيد، فهي تحتاج كي يلتزم بها كل من حزب الله وتل أبيب إلى أدوات ضغط أميركية عليهما؛ ومن هنا نشأت بحسب مصادر مطلعة استراتيجية عمل أميركية جديدة ستعتمدها إدارة بايدن خلال الأشهر الخمسة الأخيرة حتى موعد انتخابات الرئاسة الأميركية؛ ومفاد هذه الخطة هي التالية: بالنسبة لإسرائيل ممارسة نوع من “إبطاء” شحنات أسلحة محددة لإسرائيل؛ وخطوات أخرى لها علاقة بالداخل الإسرائيلي.
.. أما بخصوص لبنان فلقد تقرر في واشنطن اتباع استراتيجية تقوم على ممارسة ثلاث خطوات في وقت واحد ضد حزب الله ولبنان:
الخطوة الأولى: تصعيد عسكري وليس حرباً.
الخطوة الثانية: إجراءات تزيد من الانهيار الاقتصادي في لبنان..
الخطوة الثالثة: تفاوض.
والواقع أن استراتيجية ممارسة “تصعيد” مدروس و”انهيار اقتصادي أكثر” و”تفاوض” يستمر من أجل توظيف حزمة الضغوط الواردة أعلاه في خدمة ضمان استمرار تخفيض التصعيد في الشمال كمقدمة لحل حدودي؛ هي الاستراتيجية المتبعة الآن من قبل البيت الأبيض تجاه مواجهات الجبهة الشمالية الدائرة منذ يوم ٨ أكتوبر الماضي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إثارة قضية صواريخ حزب الله في مطار بيروت في هذا الوقت، إنما جاءت كتطبيق لأحد بنود “استراتيجية تصعيد؛ زيادة في الانهيار الاقتصادي؛ تفاوض”.. والمقصود هنا بالتحديد هو البدء بتنفيذ البند الثاني من الخطة أي القيام بإجراءات تتسبب بزيادة الانهيار الاقتصادي في لبنان.
ولا شك أن توقيت إثارة تلغراف لهذا الموضوع سيسبب ضرراً مضاعفاً لاقتصاد لبنان، كون البلد في موسم سياحة، وكون المطار هو المنفذ الوحيد الذي يستخدمه السواح للوصول عبره الى لبنان.
أضف أن مطار بيروت هو أحد مؤسسات الدولة اللبنانية القليلة التي لا زالت ناجحة؛ والتي تحقق أرباحاً مالية ومعنوية للبلد.
.. وعليه سيكون على لبنان خلال الفترة الراهنة توقع المزيد من الجو الدولي الذي يقوم بالضغط على الاقتصاد اللبناني بغية خلق حالة انهيارات محسوبة فيه؛ تتزامن وتتكافل مع توسيع الضغوط العسكرية على جبهة الجنوب مع إسرائيل.. وقصارى القول أن ما ينتظر لبنان هو موسم ضغوط دولية على اقتصاده، وليس موسم سياحة واصطياف!!