الهديل

خاص الهديل: ضحايا حجاج الزيارة .. من المسؤول؟

خاص الهديل…

ليس هذا الموسم الأول الذي يشهد فيه الحجاج ضحايا بسبب الظروف الجوية القاسية، إلا أن التركيز على الأعداد الهائلة للوفيات هذا العام يجسد حقيقة تأثير تغير المناخ وما يمكن أن ينجم عنه من تداعيات خطيرة

تجاوزت الحصيلة الإجمالية للوفيات خلال موسم الحج المنقضي للعام الحالي أكثر من ألف شخص، ولأسباب مرتبطة بالطقس الحار وسط تأثير لتغير المناخ، فيما لا يزال كثرٌ يبحثون عن أقربائهم وأصدقائهم الذين فُقدوا خلال أداء الفريضة. 

دبلوماسي عربي أفاد لوكالة فرانس برس بأن عدد الوفيّات في صفوف الحجّاج المصريين ارتفع إلى “600 على الأقل”، بعدما أفاد دبلوماسيان عربيان بوفاة 323 مصرياً على الأقلّ في حصيلة سابقة، بحسب وكالة فرانس برس.

بالإضافة إلى المصريين، يشمل عدد الوفيات 132 إندونيسياً، و68 هندياً، و60 أردنياً، و35 تونسياً، و13 من كردستان العراق، و11 إيرانياً، وثلاثة سنغاليين. فيما يكشف دبلوماسي آسيوي في السعودية بأن حوالي 68 حالة وفاة مؤكّدة في صفوف الحجاج الهنود، بعضهم لأسباب طبيعية إذ كان هناك عديد من الحجاج المسنين. ومنهم من توفي بسبب الأحوال الجوية.

المملكة العربية السعودية في بيان لها أعلنت عن وفاة ما لا يقل عن 1301 من الحجاج هذا العام، معظمهم ممن لم يحصلوا على تصريح للحج، موضحةً أنهم ساروا لمسافات طويلة في الحر الشديد.

 

من جانبها، أعلنت الصحة السعودية في تقرير لها، تسجيل 2764 حالة إصابة بالإجهاد الحراري، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المشاعر المقدّسة والتعرّض للشمس، وعدم الالتزام بالإرشادات. فيما يبحث أصدقاء وعائلات حجّاج مفقودين في المستشفيات في السعودية، وينشرون مناشدات في مواقع التواصل الاجتماعي سعياً للحصول على أي معلوماتٍ عن أحبائهم!!

 

جهات رسمية مصرية بدأت تحقيقاتٍ موسّعة، بشأن ارتفاع حالات الوفيات بين الحجاج المصريين، وملاحقة المخالفات وأوجه القصور في أماكن الإقامة والإنتقالات، علماً أن التحقيقات ستتضمّن مدى تأثير الحجّاج غير الرسميين من مصر على ارتفاع أعداد الوفيات، والوقوف على أعداد الوفيات من الحجّاج غير الرسميين الذين أدّوا مناسك الحج من دون الحصول على تصاريح، عبر وجودهم في المملكة بتأشيرات زيارة.

إلى ذلك، يؤكّد العلماء مدى تأثير تغيّر المناخ على ما ينتظر عشرات الملايين من المسلمين المتوقع أن يؤدّوا فريضة الحج في العقود المقبلة. وقال المستشار العلمي في المعهد الألماني لتحليلات المناخ، كارل فريدريش شلويسنر، لـ “رويترز” إن مناسك “الحج تجري بطريقة معيّنة منذ أكثر من ألف عام، وكان المناخ حارّاً دائماً. لكن أزمة المناخ تفاقم قسوة الظروف المناخية. مناسك الحج الأساسية مثل الوقوف بجبل عرفة أصبحت خطيرة بشكلٍ لا يصدّق على صحة الإنسان. الوضع سيتفاقم. صحيح أن موعد مناسك الحج يتجه الآن نحو فصل الشتاء، لكن بحلول أربعينيات القرن الحالي سيتزامن موسم الحج مع ذروة الصيف في السعودية”.

 

بغض النظر عن أعداد الوفيات والذي يحصل كل عام بسبب الأجواء الجوية؛ لكن بإمكاننا القول إن العدد الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية عن وفاة ما لا يقل عن 1301 من الحجاج هذا العام، فهذا العدد مرتفع بشكل غير طبيعي عما كان يُعلن عنه في السنوات الماضية!!

 

والسؤال المطروح في ضوء هذه الفاجعة التي توفي على إثرها هذا العدد الكبير من الحجاج، من المسؤول عما حدث؟، وما الضمانة التي تمنع تكرار ما حدث؟، وهنا نشير إلى الأدوار المنوطة بالقائمين على الأمر؛ فمن يسمح بمبدأ السفر بغرض الزيارة في أيام الحج تحديداً كان لابد أن يدرك نوايا المنظمين لهذا الأمر؛ فهو واضح لا لبس فيه؛ حيث أخذ الوعد باستغلال أيام الزيارة واستكمال مراحل الشعيرة المقدسة؛ فهناك من سهل ويسر الإجراء تحت هذا المسمى،

وقامت بالتحايل وتسفير الحجاج بصورة غير نظامية، ولم تقدم أي خدمات للحجاج.

 

وهنا نحتاج لوقفةٍ مع النفس لنوقن فداحة الأمر؛ فقد عم الحزن والأسي والفقد العديد من البيوت لا حصر لها جراء هذا الحادث الأليم وتحول العيد لديهم لمأتم، ولا نغالي إذا ما قلنا أنه قد تأثر العالم الإسلامي لما جرى بالأراضي المقدسة؛ ففرحة عودة الحاج سالماً من الأراضي المقدسة التي تملئ القلوب سعادة وتغمر الوجدان بهجة، تحولت لأوقات من الألم والترقب والحزن العميق.

 

وحينما تبث مشاهد من موقع الحدث تدل على صورة الإهمال الجسيم للحجاج الزيارة؛ فإن محاسبة المتسببين باتت واجبةً؛ فلا قيمة للحياة ولشعارات حقوق البشر تحت وطأة الاستغلال والاتجار بهم واستغلال الدين وأداء شعائر الله من أشخاص وشركات ومكاتب ما رغبوا إلا التربح وجني الأموال التي تعد غير مشروعةٍ في جملتها، مهما بلغت المبررات وتعددت المسببات من قبيل الدفاع بهدف تضليل الآخرين أو طمس الحقيقة.

 

ودعونا نواجه الأمر بشجاعة أكثر؛ نحن ندرك أن نجاح تحقيق الغاية يقوم على تخطيط يؤسس على معايير وضوابط تضمن التنفيذ في مساراته الصحيحة ومن ثم نحقق النتيجة المرتقبة، وفي هذا الإطار الحاكم، لا مجال لدغدغة المشاعر بأي طريقة من أجل خرق القواعد والضوابط، وهنا تمثل القوانين المنظمة العمود الفقري التي تضمن سلامة الجميع وضمان وحفظ الحقوق.

 

ختاماً، نجد أنفسنا أمام واقع مرير ومؤلم، حيث أدى تأثير الظروف الجوية القاسية خلال موسم الحج إلى فقدان أرواح بشرية كثيرة. لم تكن هذه الكوارث غريبة على مواسم الحج، ولكن الأعداد الهائلة للوفيات هذا العام تعكس بشكل واضح تأثيرات تغير المناخ وتحذيراته المستقبلية المحتملة.

نحن الآن في حاجة ملحة إلى اتخاذ خطوات جدية وفعالة لضمان سلامة الحجاج في المستقبل. كما يتعين علينا أن ندعو إلى المساءلة والتحقيقات الدقيقة لأصحاب المكاتب والشركات والسماسرة، الضالعين في هذه التجاوزات، والتي أدت لوفاة العديد من حجاج بيت الله الحرام، وضرورة التأكد من أن مشاعر الإنسانية والمعايير الأخلاقية لا تتأثر في ظل الاستفادة المادية أو الإهمال.

Exit mobile version