خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
هناك عدة ملاحظات يجب أن يتوقف عندها لبنان الرسمي باهتمام بالغ؛ وجميعها تتعلق بتطور سريع ومقلق يحدث على مستوى ما يمكن تسميته بالتوجه الإسرائيلي الإعلامي والسياسي والدبلوماسي والعسكري ضد لبنان:
الملاحظة الأولى تعكس نفسها من خلال أن إسرائيل بدأت تتقصد في كل كلامها السياسي سواء الموجه للداخل أو للخارج أنه لم يعد يوجد فصل بين جبهتي الجنوب في غزة والشمال مع لبنان؛ فكلتا الجبهتين هما جبهة واحدة ويشكلان تهديداً واحداً على إسرائيل، وعليه فإن إسرائيل ملزمة بأن تستأنف القتال بعد غزة أو خلال المرحلة الثالثة المخففة عسكرياً في غزة، في الشمال مع لبنان.
وضمن هذا السياق يلاحظ أن غالانت في واشنطن يقول أنه يريد أن يبحث مع الحليف الأميركي الوضع الخطر في الجنوب (غزة) وفي الشمال (لبنان)؛؛ ويلاحظ أيضاً أن نتنياهو في خلال أول مؤتمر صحفي له داخل إسرائيل منذ بدء حرب طوفان الأقصى (مع القناة ١٤)، يقول أنه سينشر بعد “النصر” في غزة قوات إضافية من الجيش الإسرائيلي في الشمال مع لبنان..
بإختصار هناك تحرك إسرائيلي على كل المستويات هدفه القول للعالم والداخل الإسرائيلي بأن جبهتي غزة والشمال صارتا جبهة واحدة وأن الحرب ضدهما حتمية. لماذا يتم هذا الربط؟؟..
.. لأن نتنياهو ومعه أطراف إسرائيلية عدة، بدأت تروج لفكرة أن حماس استهدفت المستوطنين المدنيين في غلاف غزة بالقتل والأسر(!!)، فيما حزب الله استهدف “المستوطنين المدنيين” في غلاف الشمال الحدودي بالتهجير والقصف وحرق مستوطناتهم(!!)؛ ولذلك فإن المطلوب أن يمارس الجيش الإسرائيلي حقه المطلق بالدفاع عن النفس ضد لبنان وحزب الله؛ وذلك بنفس روحية الرد التدميري والعقابي الذي مارسه في إطار دفاع إسرائيل عن نفسها ضد غزة وحماس؛ وبالتوازي فإن المطلوب أيضاً من واشنطن والغرب أن يدعما إسرائيل للدفاع عن نفسها ضد لبنان وحزب الله، وذلك بنفس القوة ولذات الأسباب التي جعلتهما يدعمان دفاع إسرائيل عن نفسها ضد حماس وغزة.
وفي هذه النقطة تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو يتوسل لحشد “الدعم الدولي وبضمنه الأميركي الأعمى” لإسرائيل ضد لبنان وحزب الله، على نفس “المضمون السحري” للحملة الدعائية التي توسلها لحشد الدعم الدولي لإسرائيل ضد غزة وحماس؛ وهي أن هاتين المنظمتين قامتا بتنفيذ “محرقة بحق اليهود من مواطني دولة إسرائيل”: حماس مارست “محرقة” جسدية ضد مستوطني غلاف غزة؛ فيما حزب الله مارس “محرقة” تهجير ضد مستوطني الشمال وحرق بيوتهم وأرزاقهم!!
.. ولأن نتنياهو بعد حرب رفح سيبحث عن ميدان جديد لإطالة الحرب؛ وسيكون هذا الميدان لبنان؛ والسبب في ذلك أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة ولا يريد الانتقال إلى اليوم التالي السياسي.. وأمس قال نتنياهو صراحة أنه لن يوافق على إقامة دولة فلسطينية؛ أي أنه لا يريد إنهاء الاحتلال؛ بل يريد إعادة الاحتلال إلى غزة وتكريسه في الضفة والقدس.
الملاحظة الثانية تتمثل بتقرير موقع تلغراف عن مطار الحريري داخل حملة إسرائيل لتسليط الضوء على أن جبهة الشمال هي امتداد لجبهة الجنوب وأنه لن يكون هناك نصر مكتمل في غزة من دون أن يتبعه نصر مكتمل في الشمال على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
أمس قال الإعلام الإسرائيلي ثلاثة أمور غاية في الخطورة عن خلفيات مقالة تلغراف:
قال بداية أن ما جاء في تلغراف هو بمثابة دعوة لحشد دعم دولي لصالح إسرائيل ضد حزب الله .
.. قال من ناحية ثانية أن تقرير تلغراف يعتبر رسالة من إسرائيل لبيروت بأن الحرب ستكون مع لبنان وليس فقط مع حزب الله (تمهيد العالم لأن يقبل بإلحاق اكبر تدمير بلبنان).
ومن ناحية ثالثة إن تقرير تلغراف يمهد لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة تدميرية لمطار الحريري وإخراجه عن الخدمة.. (واضح أن إسرائيل تريد تزوير صورة لمطار بيروت تشبه الصورة التي زورتها لمستشفى الشفاء في غزة).
إن الحملة الإعلامية والسياسية التي شُنت على مستشفى الشفاء والتي مهدت لإقتحامه وتدميره، بدأت اليوم تشن على مطار بيروت تمهيداً لتدميره. فآنذاك عرضت إسرائيل خارطة زائفة صورت فيها أنه توجد تحت مستشفى الشفاء غرف عمليات عسكرية لحماس، وزنزانات تسجن بداخلها الأسرى الإسرائيليين؛ وأنه تحت المستشفى يوجد عقدة الربط بين كل أنفاق غزة؛ الخ.. واليوم تبدأ تلغراف الحملة ضد مطار بيروت عبر الزعم أنه يوجد فيه صواريخ ومتفجرات؛ وغداً ستقول اسرائيل أنه يوجد فيه أيضاً غرف عمليات عسكرية لحزب الله؛ وأنه يوجد تحته عقدة أنفاق الحزب المؤدية إلى ميترو أنفاق الحزب في كل لبنان!!
واضح أن تقرير تلغراف هو بداية حملة إعلامية وسياسية ودبلوماسية ستمهد لفصول أخرى من المزاعم؛ والهدف من كل ذلك هو التمهيد لضرب مطار بيروت أو للضغط على الدولة اللبنانية وحزب الله من أجل الاستجابة لشروط تل أبيب بخصوص وقف الحرب وفقاً لنظرة نتنياهو !!..
.. أضف أن التشهير بمطار الحريري هدفه بدء حملة ضغوط اقتصادية على لبنان، تواكب حركة هوكشتاين التي ستتحرك منذ هذه اللحظة وصاعداً، للتفاوض تحت غطاء الضغط الاقتصادي وزيادة الضغط العسكري.