الهديل

خاص الهديل: الكاردينال بارولين والحقائق الثلاثة: المتغيرات اللبنانية المستجدة!!

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

كان يمكن انتقاء توقيت أفضل لزيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين إلى لبنان؛ والسبب أن الزيارة أتت في وقت تسود فيه العلاقة بين بكركي وحارة حريك حالة من التشنج؛ وجاءت أيضاً في وقت يعطي فيه اللبنانيون أولوية قصوى لمتابعة ما ستسفر عنه زيارة وزير دفاع إسرائيل غالانت إلى الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث يتدارس هناك مع إدارة بايدن كيفية التعامل مع الجبهة الشمالية: هل ستدعم واشنطن حرباً ضد لبنان أم أنها ستدعم ستاتيكو مع خفض التصعيد؛ أم حلاً دبلوماسياً عاجلاً ينفذ قبل شهر أيلول المقبل؟؟..

.. أضف أن المسيحيين الذي جاء الكاردينال بارولين لإقناعهم بأن إجراء عملية انتخاب فخامة الرئيس أهم من إسم فخامة الرئيس؛ لا يوافقونه على رؤيته هذه، وهم لا زالوا يعتبرون أن إسم الرئيس هو أول الدنيا وآخرها وهو المدخل لحصول الانتخابات الرئاسية من عدمها!!

كل ما تقدم وأشياء أخرى كثيرة؛ تقود للإستنتاج بأن الكاردينال بارولين قد يكون استعجل بزيارته لبنان في هذا التوقيت؛ وكان الأفضل له انتظار توقيت آخر للمجيء وطرح فكرة أنه مطلوب انتخاب فخامة رئيس الآن..

مشكلة التوقيت في زيارة بارولين لا تقتصر على أن كل القوى السياسية اللبنانية تتموضع حالياً في لحظة انتظار ماذا سيحدث في غزة(؟؟)، وماذا سيحدث داخل إسرائيل(؟؟)؛ وماذا سيحدث على جبهة الجنوب(؟؟). وما فات بارولين ومصممي خطة زيارته للبنان، هو أن العقل اللبناني هو “عقل انتظاري” ويؤمن بعمق بأن “غيوم الخارج سوف تتساقط مطراً فوق لبنان؛ وعليه فإنه يوجد استحالة في إجراء مقايضة أو تسوية أو صفقة بين اللبنانيين عندما يكونون في لحظة انتظارية كما هو حالهم اليوم..

.. وربما أدرك بارولين أكثر اليوم حقيقة أن السمة الانتظارية لنتائج حروب الخارج، تشكل ثلاثة أرباع العقل السياسي اللبناني المسيحي والمسلم؛ والثلث الباقي هو مساحة فراغ وشلل وعدم ثقة بالذات. 

والواقع أن هناك ثلاث حقائق مستجدة بات على الفاتيكان ومعه الكاردينال بارولين أن يحفظها عن ظهر قلب؛ وربما هو حفظها فعلاً: 

الحقيقة الأولى هو أن لبنان تغير خلال العقدين الأخيرين؛ فهو من جهة خرج من تحت الوصاية السورية ولكنه لم يدخل إلى وصاية الدولة اللبنانية؛ وعليه فإن طوائف لبنان لم تعد تتفاعل تحت سقف الدولة ولا داخل بيت الدولة ولا تحت أي سقف يجمعها، بل هي تتفاعل ضمن مربعات إدارة الظهر بعضها للبعض الآخر.. وهذا ما يحدث بين المسيحيين بشقيهم العوني والقواتي من ناحية وبين الشيعة بشقيهم أمل وحزب الله من ناحية ثانية، وهذا ما يحدث بين السنة الذين لا يزالوا ممثلين بالحريري من جهة؛ وبين المسيحيين الممثلين بجبران باسيل وسمير جعجع من جهة ثانية، الخ.. وأمام هذا الواقع فإن الفاتيكان حتى ينجح كان يحتاج لعقد مؤتمر مصالحة للبنانيين (وهو أمر غير ممكن اليوم)، وليس زيارة مصارحة ومصالحة للبنانيين.

الأمر الثاني: ربما كان بارولين تفاجأ بمقاطعة المرجع الروحي الشيعي لاجتماع كان يضمه في بكركي مع ممثلي العائلات الروحية الأخرى؛ ولكن بعد لحظات من امتصاص الصدمة، فهم بارولين فحوى الرسالة الشيعية وهي أن هناك ثمناً للميثاقية، ولم تعد الأمور تجري وفق منطق أن الميثاقية هي نوع من تحصيل الحاصل.. 

بكلام آخر فإن الجديد الذي يجب استخلاصه من موقف مقاطعة نائب المجلس الشيعي الأعلى للاجتماع الروحي في بكركي، هو عبارة من عدة كلمات ومفادها التالي: ان التوافق على الثوابت هي التي يجب أن تقود العلاقة الميثاقية بين مكونات البلد، وليس العكس. والواقع أن إيصال هذه الرسالة في توقيت وجود الفاتيكان في لبنان ممثلاً ببارولين، هو أمر مهم ومعبّر وله دلالاته الكبيرة.

الحقيقة الثالثة التي يجب أن تصل للفاتيكان، والتي هي بالتأكيد وصلت لبارولين تقول التالي: ان مسيحيي لبنان بالجزء الأكبر منهم مختلفون على مستقبل زعاماتهم، وليس على مستقبل وجودهم.. وعليه فإن المطلوب من الفاتيكان أن تقرر من هي رعيتها في لبنان: المؤمنون المسيحيون العامة أم الزعماء الخواص؟؟.

Exit mobile version