خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
هذا العام هو بامتياز عام تبدل الطبقة السياسية العالمية، نظراً لكونه شهد وسيشهد نحو ٨٢ انتخابات حول العالم.
وفي الصدارة تأتي الإنتخابات الرئاسية الأميركية بوصفها أقوى ديموقراطية بالعالم؛ وبمقابلها حصلت قبل أسابيع الإنتخابات الهندية بوصفها أكبر ديموقراطية في العالم. وفي صدارة المشهد أيضاً انتخبت أوروبا برلمانها المشترك بوصفها الديموقراطية العجوز من بين ديموقراطيات العالم القديمة؛ وبموازاتها عقدت إيران انتخاباتها الرئاسية بوصفها أقوى ديموقراطية إسلامية في العالم.
إن مشهد توالي الإنتخابات في معظم دول العالم خلال العام ٢٠٢٤، لم يحدث كله على نحو طبيعي، ولا تطبيقاً لجدول توقيتات الدول لعقد انتخاباتها؛ بل بعضها وأهمها تم عقده بفعل أحداث طارئة كحال الإنتخابات الإيرانية التي حدد موعدها الاستثنائي بعد وفاة الرئيس ابراهيم رئيسي؛ وكحال الإنتخابات الرئاسية في فرنسا التي فضل ماكرون تبكيرها بفعل صعود نجم اليمين الفرنسي في البرلمان الأوروبي.
ومن الأحداث الانتخابية التي لم يكن مخططاً لها؛ والتي قد تحدث من خارج الصندوق الدولي المعد مسبقاً؛ حدث اضطرار بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي في أميركا، وأيضاً حدث فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
.. وكلا هذين الحدثين لو حصلا، سيشكلان أحداثاً غير متوقعة داخل موسم الانتخابات المتوقع حدوثها بشكل مسبق بالنسبة لأميركا، والتي لم يكن متوقعاً حدوثها هذا العام، بالنسبة لإيران.
إن خروج بايدن من المنافسة على رئاسة أقوى ديموقراطية في العالم، ونجاح بزشكيان بالوصول لرئاسة أقوى ديموقراطية اسلامية في العالم؛ سيؤشر إلى وجود محاولة – ولو بالصدفة – لتغيير المسار الحالي الذي فيما لو استمر، فإن العالم سيقف بمواجهة حائط الحرب المسدود، والمفتوح فقط على احتمال امتدادها في أوروبا وفي الشرق الأوسط، بحيث يصبح العالم أسير “حروب عالمية” بدل أن تكون “حرباً عالمية شاملة” لا يريدها أحد من الكبار.
من المبكر القول بخروج بايدن من المنافسة، ولكن لم يعد من المبكر القول بخروجه من البيت الأبيض؛ وأيضاً من المبكر القول بفوز بزشكيان برئاسة إيران؛ ولكن لم يعد من المبكر القول أن بزشكيان حجز حضوراً سياسياً ومعنوياً أقوى للإصلاحيين خلال ولاية الرئيس الإيراني الجديد المقبلة بغض النظر عن هويته الأصولية أو الإصلاحية..
الفكرة الرئيسة هنا هي أن العالم يحتاج لتغيير المسار بدل مثابرته على التوجه كنهر زيت نحو الحريق المندلع في قلب العالم (أوروبا) وفي وسط شرقه حيث الطاقة وممراتها البرية الاستراتيجية، وداخل قارته السوداء حيث الطاقات الخام.
.. والحل الوحيد لتغيير المسار؛ يبدو ممكن الحدوث فقط من خلال “التغيير الديموقراطي” أو بتعبير آخر من خلال “الحسم الديموقراطي”، وذلك طالما أن الحسم العسكري الأميركي الإسرائيلي فشل في غزة؛ وطالما أن الحسم العسكري الروسي فشل في اوكرانيا؛ وأيضاً طالما أن حسم الناتو العسكري فشل مع بوتين؛ وطالما أن جيش البرهان السوداني لم يستطع الحسم مع ميليشيا التدخل السريع في السودان وعلى مداخل أفريقيا، الخ..
وواقع أن هذه اللحظة تتسم بأنها موسم الانتخابات الديموقراطية في العالم؛ فهناك انتظار حار لحدوث نتائج تخدم فكرة استبدال “الحل العسكري” لإنهاء الحروب ب “الحسم الديموقراطي” لإطفائها.. أي الرهان على تغيير التفكير عند الرجال الذين يجلسون على رأس القمة في دول العالم المؤثرة. وهذا الانتظار يشمل تغيير نتنياهو في إسرائيل؛ وتغيير محمود عباس في رام الله؛ وتغيير البرهان في الخرطوم وتغيير بايدن وأيضاً ترامب في واشنطن لمصلحة خيار رئاسي ثالث (على طريقة لبنان)؛ وتغيير بوتين في موسكو كما كان يؤمل تغيير ناريندا موري في الهند، الخ..
قد يكون مستحيلاً رؤية حدوث الحسم الديموقراطي خلال هذا العام؛ وهذا أمر يظل صادماً رغم أنه متوقع؛ ذلك أنه في حال تبين أن ٨٢ انتخابات ديموقراطية حول الكرة الأرضية لم تستطع أن تغير مسار الكارثة في العالم؛ فهذا سيعني أن المشكلة ليست فقط في قيادة العالم المسنة (بايدن) أو المتحجرة (ترامب ونتنياهو ومودي، الخ..)، بل ان المشكلة أيضاً وأساساً توجد في الآلية الديموقراطية المعتمدة، العاجزة عن الاستجابة لحاجة العالم بإحداث تغيير كبير في طبقته السياسية، توصلاً لحدوث انقلاب في النهج السياسي المعاصر..