خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
نتائج الإنتخابات الفرنسية التي ظهرت أمس، ترسل لأوروبا رسالة واضحة؛ مفادها أن أقصى اليمين لم يعد مجرد وجهة نظر في أوروبا، بل أصبح هوية واتجاهاً عاماً..
بعد كل هذا الوقت المديد من رفع فرنسا لشعار “حرية مساواة أخوّة”؛ تم أمس من قبل حزب التجمع الوطني قلب الصفحة في “الجمهورية” التي اعتبرت بلد التنوير في أوروبا، وذلك لمصلحة شعارات تقول أن فرنسا الجديدة يضيق صدرها بالآخر المهاجر وبكل ما هو غير فرنسي أشقر..
ليس من دون معنى عميق أن يكون حجم معتنقي الأفكار المتسمة بأنها عنصرية في فرنسا؛ كانوا عام ٢٠٢٢ نحو ١٣ بالمئة من الفرنسيين؛ وأصبحوا اليوم، أي بعد مرور عامين فقط ٣٢ بالمئة.. ما الذي حدث خلال عامين فقط حتى ينهار برج إيفل، وحتى تصعد أكثرية الفرنسيين إلى مقصورات قطار تيار أقصى اليمين في فرنسا الذي يسير إلى الوراء بسرعة مجنونة ومن دون كوابح..
السؤال الذي طرح نفسه على العالم أمس عقب صدور نتائج الإنتخابات الفرنسية، هو ما السبب (؟؟) لماذا يفوز التيار العنصري في جمهورية الحرية والمساواة والإخاء؟!!..
برزت ثلاثة أجوبة على هذا السؤال؛ وجميعها يجب النظر إليها على أنها أجوبة أولية؛ لأن ما حدث في فرنسا رغم أنه كان متوقعاً، إلا أن ذلك لم ينزع منه وقع الصدمة.. وفي حالات الصدمة، لا يمكن إنشاء تحليل هادئ للواقع الذي انقلب رأساً على عقب.. وعليه يجدر انتظار بعض الوقت حتى يصبح ممكناً النظر للحدث من زاوية هادئة ومشرفة على كل أبعاده..
ومع ذلك؛ وبانتظار أن يحين وقت محاكمة أعمق، فإنه يمكن في هذه اللحظة تقديم ثلاثة أجوبة أولية عن السؤال الصارخ: ما السبب؛ ولماذا؟؟ وكيف حدث هذا التغير الكبير في فرنسا؟؟
الجواب الأول يقول أن تصويت أغلبية كبيرة من الفرنسيين لأول مرة إلى أقصى اليمين، يحمل في جانب أساسي من خلفياته رغبة شرائح واسعة من المقترعين لممارسة تصويت عقابي لماكرون الفاشل اقتصادياً وسياسياً وداخلياً وخارجياً…
.. معنى آخر، فإن نسبة غير قليلة من الفرنسيين من الذين صوتوا لأقصى اليمين الفرنسي انما فعلوا ذلك ليس لأنهم مع هذا التيار بل لأنهم يريدون إيصال رسالة انزعاج وغضب لماكرون عبر بريد اليمين المتطرف السريع.
إذن نسبة من الأصوات التي نالها تيار أقصى اليمين كانت بمثابة رسالة عقاب لماكرون!!
الإجابة الثانية تقول أن الفرنسيين جربوا كل الاتجاهات السياسية الفرنسية: جربوا اليسار والإشتراكي واليمين التقليدي ويمين الوسط الليبراليين (الخ..)؛ وجميع هؤلاء فشلوا، ما أفسح المجال واسعاً لبروز رأي عام فرنسي جديد يرفع شعار مفاده أنه طالما أننا جربنا الجميع؛ فلماذا لا نجرب أقصى اليمين؟؟.
الإجابة الثالثة وهي الأخطر، كونها تدعو للاعتراف بالحقيقة المرة والصادمة، وقوامها أن كتلة شعبية كبيرة من الفرنسيين أصبحت تميل إلى الفكر العنصري والفاشي الذي ينادي به تيار أقصى اليمين الفرنسي..
.. وهنا يصبح سؤال لماذا، وما هو السبب الذي دفع لهذا التحول في تفكير المواطن الفرنسي؛ أكبر وأخطر، وبحاجة لقراءة متأنية؛ ما يجعل نتائج الانتخابات الفرنسية الراهنة بمثابة حدث انقلابي سوف يمر وقت ليس قصيراً قبل أن يستقر على ملامح مقروءة سواء داخل فرنسا، أو ضمن هوية أوروبا، أو على صعيد كيف ستتفاعل حدود العلاقة بين ضفتي المتوسط وضفتي أوروبا القديمة والجديدة.