الهديل

اللواء البيسري: معالجة ازمة النزوح تحتاج إلى قرار سياسي موحد ومجتمع لبناني متضامن يقف خلف الأمن العام”

مع اشتداد ازمة النزوح السوري في لبنان وتشكيلھا عبئا كبيرا على الدولة اللبنانية ، وباعتبارھ يلعب دورا ھاما واساسيا في معالجتھا تطرق المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري في حديث لمجلة الامن العام الى ھذا الموضوع اضافة الى ملف الداتا الخاصة بالنازحين ، وجاء في كلمته:

“ازمة في ضخامة النزوح السوري وامتدادها الزمني من الصعوبة بمكان أن يعالجها الأمن العام لوحده، وتحتاج إلى قرار سياسي موحد ومجتمع لبناني متضامن يقف خلف الأمن العام”، ملاحظًا أن أي “معالجة لأزمة النزوح السوري من دون داتا هراء وهرطقة، والمفوضية حرصت الداتا في يدها واصرت على عدم تسليمها على الرغم من الطلبات الرسمية المتكررة بتسليمها، ليتبين وجود ضغط دولي لعدم تسليمنا الداتا مقرون بتهديدات مبطنة بوقف المساعدات”.

وشدد البيسري على “أننا مصرون على تسليمنا كامل الداتا من دون قيد أو شرط إنطلاقاً فمن حقنا السيادي معرفة المقيمين على أراضينا”، مشيرًا إلى أن “نسبة النازحين في لبنان أصبحت 40 في المئة من عدد المواطنين، وهذا يؤثر على كل المجتمع اللبناني”.

وأكد البيسري أن “التواصل السياسي مع سوريا مهم ومبني على خطط، ونحن كأمنيين لسنا وحدنا من نستطيع أن نعدّ الخطط إنّما هناك حاجة إلى غطاء سياسي كوننا ننفذ قرارات مجلس الوزراء والقوانين المرعية الإجراء”، معتبراً أن “إنهاء خلو سدة الرئاسة مفتاح الحلول، من بعده لا بد من قرار سياسي جامع لإنقاذ لبنان”، مؤكداً أن “الحل بيد اللبنانيين”.

ولفت البيسري إلى أن “أزمة النزوح السوري غير مسبوقة في تاريخ لبنان، وبدأت تهدد المجتمع اللبناني بتعدديته والوضعين الاقتصادي والامني في لبنان. الاخطر تهديدها مستقبل اللبنانيين بكل اوجه حياتهم. لا شك في ان ازمة النزوح السوري اصبحت محورا اساسيا في الحياه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهاجسا اول عند اللبنانيين بعد هاجس الحرب في الجنوب، ونحن نضعها افضلية مطلقة لمعالجتها. كون الامن العام لديه الصلاحية لمعالجة ملف الاجانب، انما لا يمكنه لوحده معالجة ازمة في هذا الحجم، لأن نطاق معالجاته هي للازمات المحدودة والفردية وفي حجم قدرته”.

ولفت إلى أنّ “ازمة في ضخامة كهذه وامتدادها الزمني، فمن الصعوبة بمكان ان يعالجها الامن العام لوحده، وتحتاج الى قرار سياسي موحد ومجتمع لبناني متضامن يقف خلف الامن العام، وتحتاج ايضا الى جهود جميع الادارات والوزارات التي يجب ان تعد الخطط كل في اختصاصها، كون لازمة النزوح السوري اوجها متعددة تبدأ من النفايات وتمتد الى قطاعات الخدمات على انواعها ولا تنتهي بسوق العمل وبكل تفاصيل الحياة. لذلك، فإن خططنا الجديدة تنظيم فئات الوجود السوري في لبنان وتطبيق القوانين اللبنانية عليهم، وخاصة انه ينتج من ازمات النزوح حالات حماية معينة لاسباب سياسية وامنية بحيث تنطبق عليها القوانين والمعاهدات الدولية في حالات معينة، ما يؤدي في بعض الاحيان الى تنازع في تطبيق القوانين اللبنانية والدولية. هذا التنازع ينتفي عندما نضع خطة تفصيلية نفرز بموجبها النازحين الى قطاعات معينة، حينها تتحدد اي فئة تطبق عليها القوانين اللبنانية واي فئة تطبق عليها القوانين الدولية، واي استراتيجيا توضع من دون معطيات دقيقة لا تنجح. لذلك، ما نقوم به حاليا هو جمع داتا النازحين وتصنيفها لمعالجتها ولوضع استراتيجيا وطنية موحدة بالتكافل والتضامن مع كل وزارات الدولة وادارتها والمسؤولين فيها”.

وقال البيسري: “أخذت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دورا كبيرا يتجاوز صلاحياتها منذ بداية الازمة في سوريا، والسبب يعود الى كونها كانت لوحدها في الساحة تتعامل مع ملف النزوح، فكانت لديها حصرية التسجيل، لأن الدولة تقاعست عن دورها في ضبط النزوح، والسبب عدم وجود قرار سياسي موحد، وتحولت قضية النزوح الى ازمة سياسية تم ادخالها في الصراعات السياسية الداخلية. اما اليوم فنحن امام امر واقع نتعامل معه من باب المعالجة الحقيقية، كون داتا النازحين يجب منذ البداية ان تكون مطلبا وطنيا وفعالا لمعالجة ازمة النزوح، واي معالجة لأزمة النزوح السوري من دون داتا هو هراء وهرطقة، والمفوضية حصرت الداتا في يدها واصرت على عدم تسليمها على الرغم من الطلبات الرسمية المتكررة بتسليمها، ليتبين وجود ضغط دولي لعدم تسليمنا الداتا مقرون بتهديدات مبطنة بوقف المساعدات، في وقت يعاني لبنان من وضع اقتصادي صعب ومن عبء النزوح الثقيل جدا، الذي كانت ولا تزال تكلفته كبيرة جدا واكثر مما نتصور واكبر من مساهمات المفوضية والدول المانحة على المعالجة”.

وأضاف “لذلك؛ كان هناك خوف وقلق من قطع المساعدات الامر الذي ادى الى التغاضي الرسمي عن الداتا. راهنًا، استطعنا تصنيف النازحين السوريين، ونؤكد على مصطلح نازحين او منتقلين وليس لاجئين، لأن لكل مصطلح مفاعيل وحقوقا قانونية عالمية. وبحسب الدستور والقوانين اللبنانية، فان لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء، وهذا ما تم التعبير عنه بوضوح في الفقرة (ط) من مقدمة الدستور، وايضا في متن اتفاقية العام 2003 مع المفوضية، واي طلب لجوء يقدم الى المفوضية يعني التوطين في بلد ثالث وليس في لبنان، وبقاء مقدم الطلب في لبنان وقتي ومحدد الى حين تأمين التوطين في البلد الثالث الذي يوافق على استقباله، واذا لم يتحقق ذلك يعاد الى بلده. لذلك، مفوضية اللاجئين لم تسلم الداتا ولم تحدد مهل لتسليمها ولم تُطلب في السابق منها، لذا كان هناك تراخ في التعامل في حق الطلب. اليوم، نحن مصرون على تسليمنا كامل الداتا من دون قيد او شرط انطلاقا من حقنا السيادي في معرفة المقيمين على اراضينا، وآخر مرة سلمتنا المفوضية الداتا بعد اصرار كانت في اواخر العام الماضي (2023)، استنادا الى اتفاقية ومعايير دولية، وهي تهددنا بعدم تسليمها او استعمالها لغير الاهداف المرجوة”.

وردًا على سؤال ما إذا كانت الداتا التي تم تسليمها كاملة، أوضح البيسري أنّه “لم تكن الداتا كاملة، خاصة في ما يتعلق بتاريخ التسجيل. هذا الامر مهم جدا كونه يمكننا من تصنيف النازحين لجهة مَن دخل قبل العام 2015 ومن دخل بعد هذا التاريخ، لأن الدولة اللبنانية اتخذت قرارا اعتبارا من 1/1/2015 بوقف تسجيل النازحين وطلبت من المفوضية ذلك، ونحن نحترم قرارات الدولة وملزمون تطبيقها. انطلاقا من ذلك، اعتبرنا ان الذين لن يتم تسجيلهم بعد العام 2015 والتي لم تلتزم المفوضية عدم تسجيلهم، نصر على ان هؤلاء لاجئون اقتصاديون قدموا للحصول على هبات ومساعدات. لكن لدينا قناعة راسخة بأن عددا كبيرا من السوريين حتى قبل العام 2015 كانوا موجودين في لبنان بهدف العمل، وسجلوا لدى المفوضية، وهناك مَن قدموا الى لبنان على الرغم من عدم وجود اي سبب امني او غير امني. اعتقد ان الكثير من السوريين ليست لديهم مشاكل”.

وقال: “نحن نعتبر ان جزءا كبيرا ممن تسجلوا لدى المفوضية قبل العام 2015 لا يتوافر فيهم اي شرط من شروط الحماية السياسية والامنية، وبعض الذي قدموا بعد العام 2015 هربوا من الارهابيين او من التجنيد الاجباري، انما هؤلاء حالات استثنائية وقليلة. ما نقوله، انه يجب تسليمنا الداتا لما قبل العام 2015 لكي نتحقق من شروط توافر طلب اللجوء، وبالتعاون مع المفوضية نحدد عدد اللاجئين والذين في حاجة الى حماية حتى نعطيهم الافضلية بالانتقال الى بلد ثالث. التوطين في بلد ثالث هو نسبة تعطيها الدول وفقا لحاجاتها ولم تتجاوز في لبنان عشرة الاف طلب سنويا، وهذا عدد قليل جدا ومن واجب المفوضية ان تزيد العدد بنسبة اكبر بكثير وان تعطي الافضلية للبنان على كل دول المنطقة، نظرا الى حساسية الوضع اللبنانية الجغرافي والديموغرافي. في لبنان صارت نسبة النازحين 40 في المئة من عدد المواطنين، وهذا يؤثر على كل المجتمع اللبناني”.

وشدد على أنّه “ليست المرة الاولى التي نتكلم فيها عن امكان الانتقال الى Plan B. عندما هددنا بذلك ظن البعض اننا نتكلم في السراب. لكن ما ان لمسنا ان هناك مماطلة بتسليم الداتا تداولنا اكثر من فكرة، وحاولنا ايجاد حلول بديلة من تسليم الداتا اراديا من المفوضية، وعندما شعرنا بوجود قرار سياسي خارجي بعدم تسليمنا الداتا، وطالما النازحون يتواجدون على الارض اللبنانية، فان تطبيق القوانين اللبنانية عليهم له الافضلية على اية قوانين اخرى انطلاقا من حقنا السيادي. اعتبرنا اننا نستطيع الحصول على الداتا بطريقة اخرى، وهي ان مفوضية اللاجئين منظمة تابعة للامم المتحدة تعطي اللاجئ مستندا من خلاله له حق العمل والاقامة، فهل يا ترى لا يحق لنا ان ندقق في هذه الحقوق، وبالتالي بدل الذهاب الى كل نازح والحصول على المعلومات منه، فان كل نازح يحمل مستندا من المفوضية ومسجلا قبل العام 2015 يحضر الى مراكز الامن العام ويثبت انه مسجل وعائلته قبل هذا التاريخ، فنزوده ورقة تؤكد تسجيله لدينا، وتصبح فاعلية مستند المفوضية مرتبطة بحصوله على موافقة الامن العام، وبذلك نؤكد على احترام القوانين الدولية في ممارسة حقنا السيادي، ونخفف ايضا عبئا عن المفوضية لجهة التحقق من المستحق وغير المستحق. علما اننا حريصون على عدم تكبد المفوضية اعباء مادية يحصل عليها غير المستحق، وهذه الاموال تأتي من الضرائب التي تدفعها شعوب الدول المانحة”.

وحول توافر القدرات اللوجستية لتشكيل داتا وطنية للنازحين، أشار البيسري إلى أنّه “عندما تتوافر الارادة نجد الطريق. نحن نأخذ في الحسبان الصعوبات، كون الامر ليس سهلا بكلفته البشرية والمالية، خاصة اننا نعتمد مركز الدامور لجمع الداتا ولاحصاء كل الطلبات التي تصل الى المناطق. جميع مراكزنا مفتوحة لقبول الطلبات، لكن هناك اماكن ذات كثافة نزوح ولديها اعتبارات وحساسية معينة. سنحاول ان نذهب نحن الى البلديات ونرسل فرق عمل لتلقي الطلبات، مثلا في عرسال وبرالياس والصويري ووادي خالد وغيرها”.

وكشف أنّ “الجانب السوري لم يعترض يومًا على طبيعة التواصل حول ملف النزوح، وابلغونا انهم لا يمنعون اي سوري يريد العودة حتى لو كانت لديه مشاكل. هناك قرار سوري متخذ وابلغونا اياه هو ان كل سوري يصل الى الحدود ويعلم ان في حقه مراجعة امنية، اما يدخل من تلقاء نفسه او في امكانه العودة من حيث اتى من دون ان يوقفه احد. اما التواصل السياسي، فمن المؤكد انه مهم ومبني على خطط، ونحن كأمنيين لسنا وحدنا نستطيع ان نعد الخطط انما هناك حاجة الى غطاء سياسي، كوننا ننفذ قرارات مجلس الوزراء والقوانين المرعية الاجراء، واي خطة في شأن النزوح تحتاج الى تواصل سياسي لتحقيق الاتفاق، ويكون علينا التنفيذ بعد اتخاذ القرار السياسي”.

وحول دور الامن العام في مواكبة موسم السياحة والاصطياف على الرغم من التحديات الحربية الاسرائيلية، شدد على أنّ “لبنان بلد جاذب للسياح والمغتربين اللبنانيين، فليس هناك أجمل منه من كل النواحي الاجتماعية والحياتية والطبيعية. كأمن عام، ان اول احتكاك يحصل معنا في مطار رفيق الحريري الدولي، والصورة الاولى التي تنطبع لدى الوافد تكون في المطار. لذا نحن نحرص على اعطاء التسهيلات في هذه المواسم، وعمدنا الى زيادة اعداد الكونتوارات في المطار مع عديد اضافي لتسهيل دخول الوافدين وكذلك مغادرتهم. نحن نشدد على نوعية الخدمة في المطار وحسن المظهر، من خلال المحافظة على الهندام واللياقة ولغة التخاطب الحسن، والخدمة والمعاملة المميزين، بالاضافة الى السرعة. بدأنا معالجة الاكتظاظ نتيجة البرامج القديمة لاجهزة التسجيل، واتخذنا قرارا بالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات ووزير الاشغال، وسنحدّث البرنامج في فترة وجيزة من اجل تسريعه للايفاء بالغرض. لذلك، اطلب من الوافدين والمغادرين ان يتحملونا، ففي كل مطارات العالم هناك انتظار لبعض الوقت نتيجة الاكتظاظ”.

ورأى أنّ “احتمالات الحرب موجودة وجدية، وفي كثير من الاحيان نسبة 1 في المئة تتغلب على 99 في المئة. نحن نأمل في الوصول الى حلول بعيدا من الحروب التي تجلب الدماء والدمار. نحن بلد مواجهة ونحن اليوم في حالة حرب، ونقدم في الجنوب اثمانا بشرية ومادية كبيرة، في مقابل الدفاع عن الارض في مواجهة العدوان الاسرائيلي، لكن السؤال هل تتوسع الحرب ام لا؟ هذا الامر مرتبط بقرارات سياسية وعملانية كبيرة، وكما نعلم هناك ترابط بين الوضعين في قطاع غزة والحدود الجنوبية. نحن تحضرنا لكل الاحتمالات ان كانت ايجابية ام سلبية، ولا يمكن لأحد ان يوقف حركة الشعوب وارادتها في البقاء والمواجهة”.

واعتبر البيسري أنّ “حل الازمة اللبنانية هو في يد اللبنانيين وليس في يد احد آخر، حتى لو كان لها بعد اقليمي ودولي، لكن اي حل سيترجم في مجلس النواب وعبر القوى السياسية الموجودة. ما اقوله ان هذا الوطن يجب ان يعود ليقف على قدميه، فنحن لسنا في وضع طبيعي، والمؤسسات ليست في وضعها الطبيعي. اعادة انتظام عمل المؤسسات ضرورة قصوى وفي أسرع ما يمكن، وتنفيذ خطة تعاف اقتصادي واعادة هيكلة القطاع المصرفي امر ضروري، وايضا اطلاق ورشة اصلاح اقتصادي واجتماعي على مستوى كل لبنان. الاصلاحات مطلوبة ومعها محاربة الفساد وتطبيق القوانين مع تحديثها. الازمة السياسية هي ازمة غير صحية، وانهاء خلو سدة الرئاسة هو المفتاح للحلول، ومن بعدها لا بد من قرار سياسي جامع لانقاذ لبنان من الخطر الجدي الذي يتهدده. من غير المسموح ان يستمر الشعب اللبناني في التخبط في كل الازمات القائمة، بعدما اثبت تعلقه وحبه واخلاصه للبنان”.

Exit mobile version