الهديل

خاص الهديل: ماذا عن اليوم التالي في فرنسا بعد الإنتخابات؟!!

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

انتهت الإنتخابات الفرنسية على مفاجآت بعد أن كان متوقعاً أن تنتهي على مفاجأة واحدة وهي حصد اليمين المتطرف أكبر عدد من مقاعد الجمعية الوطنية؛ ما حدث هو سلسلة مفاجآت أبرزها أن اليمين المتطرف جاء ترتيبه في آخر لائحة توزع الأصوات؛ في حين أن اليسار حل مكانه في المرتبة الأولى؛ وتلاه حل اليمين التقليدي. 

عدم فوز اليمين المتطرف كان المفاجأة الأولى الكبرى؛ وأيضاً فوز اليسار كان المفاجأة الثانية الكبرى، خاصة عند اليمين التقليدي الذي لا يجد فرقاً كبيراً بين مارين لوبين اليمنية المتطرفة وجاك لوك ميلينشون اليساري.. 

وأبلغ توصيف لهذه النتائج التي تعدت توقعات كل الاستطلاعات، هي أن كل الأطراف لم تنجح في حصد أغلبية تمكنها من توجيه مسار السياسة الفرنسية نحو هوية محددة؛ وعليه فإن الخيار المتاح الآن أمام ماكرون هو الاكتفاء من جهة بالنصر الذي حققه بمجرد إبعاد الإليزيه عن متناول اليمين المتطرف؛ والإقرار من جهة ثانية بتقدم اليسار الذي يراه ماكرون أيضاً متطرفاً؛ والبحث من جهة ثالثة عن تسوية بين الديموقراطي وبين يساريي ميلينشون لا تؤدي إلى تحالف بينهما، بل تؤدي إلى اتفاقهما على أن لا يحكم كلاهما فرنسا، وأن يكون الحل بحكومة تكنوقراط يتمثلا من خلالها بشخصيات غير حزبية بل تكنوقراطية قريبة لهما.. وما هو مطروح عملياً على ماكرون وميلينشون يشبه لحد بعيد، ما هو مطروح على حماس في اليوم التالي في غزة؛ أي أن تتمثل مع فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى بحكومة من شخصيات مختصة وليست سياسية..

إن العبرة هنا تقع في أن فرنسا في هذه اللحظة سياسياً وأمام حيرتها وسؤالها لنفسها عن اليوم التالي لشكل الحكم فيها؛ تشبه اليوم غزة التي تواجه الحيرة الدولية حول شكل الحكم فيها في اليوم التالي للحرب.. 

والواقع أن نتائج الإنتخابات الفرنسية في جانب عميق منها تؤكد على صدق نظرة أمين معلوف التي تحدث عنها في كتابه الأخير “متاهة الضائعين: خصوم الغرب”؛ والتي تعتبر أن الغرب والأوروبيين لم يفشلوا فقط في حل قضايا الشرق الأوسط، بل انتقلت إليهم مشاكله وأصبحوا يعانون من ذات أمراضه..

.. بهذا المعنى يمكن القول أن نتائج الإنتخابات الفرنسية أكدت على وجود إشكالية أكبر، بدل أن تؤدي إلى حل إشكالية كانت متخيلة وتتمثل بالهلع من سيطرة اليمين المتطرف على فرنسا.. والإشكالية التي حضرت الآن هي أن فرنسا بلا هوية سياسية؛ فهي لم تصبح يمنية متطرفة بدليل أن حزب التجمع الوطني تراجع للخلف، ولن يكون ممكناً أن تصبح يسارية بدليل أن اليمين التقليدي لن يعترف به شريكاً له؛ وليس متيسراً أن تعود لا يمنية ولا يسارية كما كان حال ماكرون الذي نبذه الفرنسيون كونه بلا هوية سياسية. وعليه فإن السؤال في باريس في هذه اللحظة هو عن اليوم التالي في فرنسا بعد الإنتخابات؛ تماماً كما أن السؤال في العالم اليوم هو عن اليوم التالي في غزة بعد الحرب.. وفي الحالتين إن السؤالين بلا إجابة عنهما؛ الأمر الذي يثير خوفاً مرده أن الإنتخابات في زمن العولمة وصراع الهويات أصبحت مثل الحروب تؤدي إلى إطالة امد الصراع وليس إلى حسمه. 

يبقى القول أن حروب الإنتخابات حول العالم التي جرت هذا العام، خلصت إلى نتائج غاية في الالتباس بدل أن تكون غاية في الوضوح؛ فالانتخابات التي جرت في الهند المعترة أكبر ديموقراطية في العالم؛ أسفرت عن تأكيد استمرار المسار الذي كان مطلوباً بإلحاح تغيير اتجاهه؛ فهناك اتحدت كل أطياف المجتمع الهندي ضد الحزب الحاكم المصر على جعل الهندوسية هي كل واقع الهند، ولكنها هذه الأحزاب لم تفلح في إبعاد الحزب الحاكم عن السلطة؛ وفي فرنسا اجتمعت كل الأحزاب الفرنسية السبعة لقطع فرصة الفوز على التجمع الوطني الذي هو حزب اليمين المتطرف؛ وكانت النتيجة انها هزمته، ولكنها لم تنجح في إرساء مسار سياسي جديد، وفشلت في انتخاب بديل قوي لليمين المتطرف قادر على الحكم؛ وفي الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر أقوى ديموقراطية في العالم، يتم على نحو مستغرب حسم الانتخابات فيها قبل أن تبدأ، ويبدو بايدن المصر على الاستمرار بتذوق طعم السلطة أشبه بخصمه نتنياهو المستمر بالحرب في غزة حتى لا يخسر مذاق السلطة؛ وتبدو اللعبة الانتخابية في أقوى مركز لها (أي أميركا) أشبه بامبراطور يدخل في لحظة شيخوخته المذلة.

Exit mobile version