للتهرّب من أعين إسرائيل… حزب الله يلجأ للهواتف الأرضية والكلمات المشفرة
في أعقاب مقتل قادة كبار من حزب الله اللبناني في غارات جوية إسرائيلية، لجأت الجماعة المدعومة من إيران لاستخدام بعض التقنيات القديمة، وحظرت الهواتف النقالة في ساحة المعركة، بهدف التخفي بعيداً عن أعين تل أبيب.
فقد ذكرت مصادر مطلعة لرويترز أن جماعة حزب الله بدأت باستخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل.
وبدأت الجماعة أيضا في استخدام التكنولوجيا الخاصة بها، منها الطائرات المسيرة، لدراسة ومهاجمة قدرات إسرائيل على جمع المعلومات الاستخبارية.
وقالت ستة مصادر مطلعة على عمليات حزب الله لرويترز، طلبت عدم الكشف عن هوياتها لحساسية المسألة، إن حزب الله تعلم من خسائره وقام بتعديل تكتيكاته ردا على ذلك.
شبكة اتصالات أرضية خاصة.. ورسائل شفهية
كما قال اثنان من المصادر إن الهواتف المحمولة، التي يمكن استخدامها لتتبع موقع المستخدم، تم حظرها من ساحة المعركة واستبدالها بوسائل الاتصال القديمة، مثل أجهزة البيجر والسعاة الذين يبلغون الرسائل شفهيا.
كما قالت ثلاثة مصادر إن حزب الله يستخدم أيضا شبكة اتصالات أرضية خاصة يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
كلمات مشفرة
وأفاد مصدر آخر مطلع على المسائل اللوجستية للجماعة بأنه في حالة سماع المحادثات، يتم استخدام كلمات مشفرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات.
كما تابع المصدر أن الكلمات المشفرة يتم تحديثها يوميا تقريبا وتسليمها إلى الوحدات عن طريق سعاة ينقلون الرسائل.
وقال قاسم قصير المحلل اللبناني المقرب من حزب الله “نواجه معركة تشكل المعلومات والتكنولوجيا جزءا أساسيا فيها… لكن عندما تواجه بعض التقدم التكنولوجي، فإنك تحتاج إلى العودة إلى الأساليب القديمة.. الهواتف.. الاتصالات الشخصية… أيا كانت الطريقة التي تسمح لك بالتحايل على التكنولوجيا”.
من جانبه، قال المكتب الإعلامي لحزب الله إنه ليس لديه تعليق على تصريحات المصادر.
فعالة للغاية
ويقول خبراء أمنيون إن بعض الإجراءات المضادة التي تستخدم فيها تقنيات قديمة يمكن أن تكون فعالة للغاية ضد قدرات التجسس عالي التقنية.
من جانبها، قالت إيميلي هاردينج، المحللة السابقة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.أيه) والتي تعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “مجرد استخدام شبكة خاصة افتراضية (VPN)، أو أفضل من ذلك، عدم استخدام الهاتف المحمول على الإطلاق، يمكن أن يزيد من صعوبة العثور على الهدف وإصلاحه”.
كما أوضحت “لكن هذه الإجراءات المضادة تجعل قيادة حزب الله أقل فاعلية بكثير في التواصل بسرعة مع قواتها”.
تجنيد مخبرين.. واتصال بامرأة
ويعتقد حزب الله ومسؤولون أمنيون لبنانيون أن إسرائيل تقوم أيضا بتجنيد مخبرين داخل لبنان أثناء قيامها بمراقبة الأهداف.
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، تلقت امرأة من جنوب لبنان مكالمة على هاتفها المحمول من شخص يدعي أنه مسؤول محلي، وفقا لمصدرين على علم مباشر بالواقعة. وقالت المصادر إن المتصل كان يتحدث بلغة عربية قوية، وسأل عما إذا كانت الأسرة في المنزل. أجابت المرأة: لا، موضحة أنهم سافروا إلى شرق لبنان.
وقالت المصادر إنه بعد دقائق، ضرب صاروخ منزل المرأة في قرية بيت ياحون، ما أسفر عن مقتل خمسة من مقاتلي حزب الله، من بينهم عباس رعد، نجل أحد كبار نواب حزب الله وعضو في وحدة الرضوان.
وذكرت المصادر لرويترز أن حزب الله يعتقد أن إسرائيل تعقبت المقاتلين إلى الموقع وأجرت اتصالا للتأكد مما إذا كان هناك مدنيون قبل الهجمة دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وقال الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت إنه قصف عددا من أهداف حزب الله، منها “خلية إرهابية”.
تحذير عبر الأثير
وفي غضون أسابيع، كانت جماعة حزب الله تحذر أنصارها علنا عبر أثير محطة إذاعة النور التابعة لها من عدم الثقة في المتصلين الذين يزعمون أنهم مسؤولون محليون أو عمال إغاثة، قائلين إن الإسرائيليين ينتحلون شخصياتهم للتعرف على المنازل التي يستخدمها حزب الله.
وكانت تلك بداية سلسلة من الهجمات استهدفت أعضاء بارزين بحزب الله في لبنان. ومن بين القتلى وسام الطويل وطالب عبد الله ومحمد ناصر، القادة الذين لعبوا أدوارا أساسية في توجيه عمليات الجماعة في الجنوب.
وقُتل أيضا صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
كاميرات مراقبة
وقال مصدران مطلعان على نهج التفكير داخل الجماعة ومسؤول استخباراتي لبناني لرويترز إن جماعة حزب الله بدأت تشتبه في أن إسرائيل تستهدف مقاتليها عبر تتبع هواتفهم المحمولة وكاميرات المراقبة المثبتة على المباني في البلدات الحدودية.
وفي 28 ديسمبر كانون الأول حث حزب الله سكان الجنوب في بيان نُشر على تيليغرام على فصل أي كاميرات مراقبة يمتلكونها عن الاتصال بالإنترنت.
وبحلول أوائل فبراير شباط صدرت توجيهات أخرى لمقاتلي حزب الله بعدم استخدام هواتف محمولة في أي مكان قريب من ساحة المعركة.
وقال مصدر لبناني كبير مطلع على عمليات الجماعة “اليوم، إذا وُجد أي هاتف مع أي شخص على الجبهة، فسيتم طرده من حزب الله”. كما أكدت ثلاثة مصادر أخرى التوجيه الذي عممته الجماعة.
وقال أحد المصادر لرويترز إن المقاتلين بدأوا يتركون هواتفهم عند تنفيذ عمليات.
عمليات تفتيش مفاجئة
وذكر المسؤول الاستخباراتي اللبناني أن حزب الله كان يجري أحيانا عمليات تفتيش مفاجئة على الوحدات الميدانية بحثا عن هواتف.
وأوضح مصدران آخران أن كبار القادة السياسيين في حزب الله يتجنبون إحضار هواتف معهم إلى الاجتماعات، حتى في بيروت.
وفي خطاب بثه التلفزيون في 13 فبراير شباط، حذر حسن نصر الله أنصاره من أن هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل وقال إنهم يجب أن يكسروها أو يدفنوها أو يضعوها في صندوق حديدي.
خرق إسرائيلي
وأفاد مسؤول أمني لبناني سابق ومصدران آخران مطلعان على عمليات جماعة حزب الله بأن الجماعة اتخذت إجراءات لتأمين خطوط التواصل الهاتفي الخاصة بها بعد الاشتباه بخرق إسرائيلي.
ووفقا لمسؤولين حكوميين آنذاك، فإن الشبكة الواسعة التي يزعم أنها ممولة من إيران أُنشئت قبل نحو عقدين باستخدام كابلات ألياف ضوئية ممتدة من معاقل حزب الله في الضواحي الجنوبية لبيروت إلى بلدات في جنوب لبنان وشرقها إلى وادي البقاع.
وأحجمت المصادر عن تحديد زمن وكيفية الاختراق، لكنهم قالوا إن خبراء الاتصالات في حزب الله يعملون على تقسيمها إلى شبكات أصغر للحد من الأضرار في حالة اختراقها مجددا.
وقال المصدر اللبناني الكبير لرويترز “كثيرا ما نغير شبكات الخطوط الأرضية لدينا ونقوم بتبديلها حتى نتمكن من تجاوز القرصنة والتسلل”.
إلى ذلك، تتباهى جماعة حزب الله بقدرتها على جمع معلومات استخباراتية خاصة بها عن أهداف إسرائيل ومهاجمة منشآت المراقبة الإسرائيلية باستخدام ترسانتها من الطائرات المسيرة الصغيرة محلية الصنع