خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يعتبر ايهود أولمرت شخصية تعلق بها الكثير من الملاحظات؛ فهو من جهة بطل التقصير خلال حرب ٢٠٠٦؛ ومن ثم لاحقاً دخل السجن جراء غير تهمة..
.. وبالإجمال يعتبر أولمرت شخصية سياسية يوجد حولها الكثير من الإشكالات؛ ولكن مع ذلك فهو لديه ميزة أو خاصية مفادها انه يعرف نتنياهو جيداً وذلك نتيجة صدامه الطويل معه؛ وهو أيضاً يعرف جيداً ظروف الجبهة الإسرائيلية مع حزب الله التي سببت له جزءاً من خلفيات معاناته السياسية داخل إسرائيل.
والواقع أن أولمرت بكل إشكالاته وخاصياته، يثابر للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، على كتابة مقالات في صحيفة هأرتس حول الحرب في غزة؛ وتتسم مقالاته بفكرة أساسية وهي التحذير من أن نتنياهو وأحزاب أقصى اليمين يقودون إسرائيل إلى كارثة، وذلك بسبب سياساتهم المجنونة التي يتبعونها في حرب غزة وتجاه الضفة الغربية. ولكن في مقالته الأخيرة التي نشرت أمس، طرح أولمرت فكرة جديدة تمثلت بحديثه عن ساحة أخرى بدأ جنون أقصى اليمين يركز عليها وهي ساحة لبنان التي أعلن سموتريتش وبن غفير أنه حان الوقت تجسيد مشروع الاستيطان الصهيوني فيها.
يقول أولمرت انه جلس مع ذوي القبعات الدينية (أي متدينين متشددين يضعون على رؤوسهم قبعات تميزهم) وقال له هؤلاء أن الحرب يجب أن تستمر في غزة ليس فقط من أجل القضاء على حماس؛ بل بالأساس من أجل دفع مشروع الاستيطان في غزة و”يهودا والسامرة” إلى الأمام؛ ولكن الجديد الذي قاله هؤلاء هو أن الحرب أيضاً يجب أن تتوسع لتشمل لبنان، والهدف ليس فقط القضاء على حزب الله بل أيضاً وبالأساس من أجل إطلاق مشروع الاستيطان في لبنان الذي يوجد بشأنه – بحسب ذوي القبعات – الكثير من الشواهد التوراتية التي تؤكد أن لبنان هو جزء من أرض إسرائيل الكبرى.
قبل نحو شهر تقريباً تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية وقائع ندوة عقدت في الجليل المحتل، وقد نظمها متشددون يهود صهاينة، وكان عنوانها “مشروع الاستيطان الصهيوني في لبنان”.
الندوة شارك بها عدد قليل جداً من النشطاء، يقدرون بعشرين شخصاً؛ طرحوا ضرورة البدء بالتحضير للاستيطان في لبنان وإعادة إحياء أفكار صهيونية قديمة ذات صلة بهذا الموضوع. والواقع انه حتى الصحفي الإسرائيلي الذي غطى الندوة تساءل عن جدوى تغطيتها، كون فكرة الاستيطان في لبنان غير منطقية، ولا توجد إمكانية لا نظرية ولا عملياتية لتطبيقها، أضف إلى أنها ليست ضمن أهداف أي حزب في إسرائيل؛ عدا بيئات محدودة وصغيرة موجودة داخل أحزاب أقصى اليمين..
.. ومع ذلك؛ ورغم الإدراك بأن طرح فكرة الاستيطان في لبنان؛ هو مجرد “هلوسات متشددين صهاينة”؛ إلا أن مجرد طرح هذه الفكرة هو أمر خطر بنسبة معينة، وانطلاقاً من زوايا عدة. وبعض أوجه أسباب الخطر تعود إلى أن هذه الفكرة يتم طرحها في لحظة تمتاز بأن اسرائيل محكومة من أحزاب أقصى اليمين؛ زد على ذلك أن طرح فكرة الاستيطان في لبنان يأتي في ظل أجواء استمرار تعنت نتنياهو الهادف لإطالة أمد حرب غزة، وزيادة التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان.
والواقع أنه خلال المرحلة الأخيرة برزت أصوات داخل الليكود وليس فقط داخل أحزاب أقصى اليمين، تطالب بأن تؤدي أية حرب قادمة مع حزب الله إلى تدفيع بلد الأرز ثمناً جغرافياً.
.. وأبرز القائلين بهذه النظرية هو جدعون ساعر المنافس لنتنياهو داخل الليكود ولكن بنفس الوقت يرشحه نتنياهو الآن ليحل مكان غالانت في منصب وزارة الحرب.
هناك علامة سؤال واضحة تتعلق بالسبب الذي سيجعل نتنياهو يختار ساعر تحديداً كي يكون بديل غالانت في وزارة الدفاع.. ربما كان واضحاً لماذا نتنياهو يريد إقالة غانت المشاكس والذي يبرم حلفاً من وراء ظهر “بيبي” مع بايدن وبلينكن وأوستن، ولكن ما هو غير واضح هو عن السبب الذي دفع نتنياهو لترشيح ساعر منافسه الأقوى على زعامة الليكود؟؟.
هناك إجاباتان على هذا السؤال:
الأولى تفيد بأن نتنياهو فقط يطلق بالونات اختبار وتخويف بوجه غالانت؛ وهو بالعمق لا يريد تغييره؛ وبالأساس لا يفكر بتعيين جدعون ساهر بأي منصب.
الثانية هي أن نتنياهو يخضع لضغط كبير من أحزاب أقصى اليمين التي تريد تغيير غالانت وهاليفي؛ والتي – أي أحزاب أقصى اليمين – تختلف مع جدعون ساعر، ولكنها من ناحية جوهرية أخرى، تتفق معه على أمر استراتيجي وهو ضرورة أن تنتهي أية حرب مقبلة مع حزب الله على نتيجة قوامها اقتطاع جزء كبير من الأرض اللبنانية وضمها لإسرائيل.