الهديل

خاص الهديل: إنتخاب فخامة الرئيس بين “إرادة الداخل” و”وهم الحل الخارجي”: “لبنان يعلن الحرب على هتلر”!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

هناك تسليم مرضي داخل لبنان، بأن الاستحقاق الرئاسي هو أمر له صلة بانعكاسات الوضع الخارجي على الداخل اللبناني!!.  

.. بمعنى آخر، فإن جميع أحزاب الطوائف، باتوا على قناعة زائفة بأن “العقلانية” تقتضي التسليم بأنه لا انتخابات لفخامة الرئيس قبل معرفة كيف ستنتهي حرب غزة؛ علماً أن هذه “العقلانية” ذاتها، سوف تحتم على أحزاب الطوائف بعد انتهاء حرب غزة – فيما لو انتهت – التسليم بأنه لا انتخاب “لفخامة الرئيس اللبناني المسيحي العربي الوحيد في الشرق الأوسط”؛ إلا بعد معرفة من هو الرئيس الأميركي الذي سيسكن البيت الأبيض في ٥ تشرين الثاني القادم.. وسيصبح هذا الانتظار المتصف بأنه “عقلاني” مفتوحاً بعد ٥ نوفمبر على مقولة انتظار جديدة، مفادها أنه لن يكون ممكناً انتخاب “فخامة الرئيس اللبناني” قبل توقف حرب أوكرانيا ومعرفة كيف سينجح ترامب في هذه المهمة في حال فاز بكرسي البيت الأبيض. 

إن استراتيجية انتظار خواتيم الأحداث الكبرى الخارجية حتى يمكن إنجاز استحقاقات الداخل في لبنان، وعلى رأسها استحقاق انتخاب فخامة الرئيس، لا تبدو أنها بريئة أو أقله – هذه المرة بالذات – لا تبدو أنها طبيعية..

السؤال الأول: لماذا على البرلمان اللبناني أن ينتظر نتائج حرب غزة حتى يصبح ممكناً لثلثي نوابه انتخاب فخامة الرئيس؟.. ما هي علاقة فخامة الرئيس اللبناني العتيد بحرب غزة أو بالسباق الرئاسي بين “بايدن فاقد الذاكرة” و”ترامب فاقد الصدقية”.. وكيف يمكن لعاقل أن يوافق على السيناريو القائل انه يوجد لاتفاق باسيل مع حزب الله أو اتفاق القوات مع التيار الوطني الحر على إسم رئيس جمهورية، تأثير على توازنات حرب أوكرانيا أو على المشاكل الدولية الأخرى؟؟.. بكلام أوضح كيف يمكن لسليمان فرنجية في حال انتخابه رئيساً، أن يؤثر على مسارات ما بعد حرب غزة(؟؟).. وهل سيكون هناك فرق في حال وصل أزعور أو فرنجية أو سمير جعجع أو جبران باسيل على السباق الرئاسي الأميركي، أو على توجه الناتو لهزيمة بوتين في أوكرانيا أو على اليوم التالي في غزة؟!!.

إنشاء هذا النوع من الربط بين أحداث دولية ضخمة واستحقاق داخلي لبناني؛ يعيد إلى الذاكرة أكثر حادث مضحك في تاريخ بلد الأرز؛ وذلك عندما قام لبنان خلال نهايات الحرب العالمية الثانية، بإعلان الحرب على هتلر..

.. وحالياً فإن النظريات التي تربط انتخاب فخامة رئيس جمهورية الطائف بانتظار ما ستسفر عنه نتائج الحروب الدولية الكبرى، هي من فصيلة إعلان لبنان الحرب على هتلر.. والحق يقال ان لبنان يستطيع إذا “أراد” نوابه، و”كتله الحزبية النيابية” انتخاب فخامة الرئيس من دون أن تشعر بهذا الأمر أصغر أو أكبر دولة من دول العالم.. يحب الخروج من وهم أن انتخاب فخامة الرئيس اللبناني هو حدث دولي؛ أو هو استحقاق داخلي يحتاج لقرار خارجي؛ والحقيقة أن انتخاب “فخامة الرئيس” هو حدث محلي بامتياز؛ واللبنانيون هم الذين يتوسلون الخارج كي يتدخلوا به. 

كل اللبنانيين يتذكرون كيف أن سليمان فرنجية الجد، فاز برئاسة الجمهورية بفارق “صوت محلي واحد”، ولم يؤد ذلك إلى الإضرار بالصيغة اللبنانية، ولا الى خراب السلم البارد الدولي آنذاك ولا إلى اهتزاز معادلات الحرب الباردة الأميركية السوفياتية.. بالنسبة للخارج فإن فخامة رئيس لبنان هو بحجم لبنان البلد الصغير القابع على ضفة المتوسط.. 

ما تقدم لا يلغي أهمية لبنان الدولية ولا الإقليمية؛ ولكن هذه الأهمية يستحقها لبنان من خلال نجاحه في إبداع مضمون لافت لوجوده في منطقته، ومن خلال نجاحه بخلق دور مميز لموقعه داخل إقليمه، وليس من خلال انتظار كتله النيابية على قارعة الطريق الدولي حتى تصل إليها التعليمة الدولية لانتخاب فخامة الرئيس اللبناني المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط.. أما إذا أصبح دور لبنان محصوراً فقط بسمة الفشل داخل إقليمه؛ فإن العالم لن يفعل حينها للبنان إلا أمراً واحداً؛ وهو العمل من أجل إبقاء أضرار فشله محصوره بداخله.. 

السؤال الثاني له علاقة بتصحيح الأخطاء الشائعة التي تسري قي عقول اللبنانيين كما النار في الهشيم: ليس صحيحاً إطلاقاً “ان العالم يريد الاستقرار في لبنان”؛ هذا توصيف اصطلاحي مغلوط؛ بل الصحيح ان العالم لا يريد لمشاكل لبنان أن تهز الاستقرار في إقليمه.. أي أن العالم لا مشكلة لديه إذا كان لبنان مريضاً ولكنه لديه مشكلة فيما لو كان مرض لبنان معدياً؛ وينشر العدوى في إقليمه.

هناك فرق بين كيف يفهم اللبنانيون نظرة العالم للاستقرار في لبنان وبين حقيقة رؤية العالم لمفهوم الاستقرار في لبنان؛ وما يجب أن يفهمه اللبنانيون في هذا المجال هو أن العالم لا يقلقه أن يكون لبنان مريضاً، بل كل ما يقلقه هو أن يكون لبنان مصاب بمرض يعدي جيرانه!!.

وما تقدم يعني عدة أمور أساسية: أهمها أن لبنان قد يصاب بعوارض “مريض الوهم” الذي يستشعر بآلام ليست عضوية بل ناتجة عن طريقة تفكيره أو عن تشوهات سلوكية مكتسبة ومتوارثة.. والأخطر من ذلك هو احتمال أن يبقى لبنان مطروحاً على فراش انتظار شفاء الآخرين من مشاكلهم الكبرى لفترة طويلة من دون أن يفعل شيئاً لنفسه، نظراً لأن هناك صورة مغلوطة تسيطر على الذهنية اللبنانية؛ مفادها أن علاج لبنان الشافي سيأتيه حصراً من برشامه الحلول الدولية.. وفي ظل هذا الواقع، يصبح أخطر التوقعات، هو أن يتأخر شفاء “مريض الوهم” (لبنان) لسنوات طويلة؛ وان يستمر مرضه من دون أن يشعر العالم بأوجاعه، وذلك طالما أن مرضه لا يعدي دول المنطقة.. 

والواقع أن أخطر ما في عملية الانتظار التي تم إدخال انتخاب فخامة الرئيس اللبناني فيها؛ هي انها لها ذات نتائج تطبيقات المقولة الشهيرة التي تصف الانتظار العبثي بأنه “انتظار ما لا ينتظر”..

Exit mobile version