الهديل

خاص الهديل: الانتخابات الإيرانية الأخيرة: هندسة ظريف في فوز بزشكيان

خاص الهديل…

قهرمان مصطفى…

مثلت الإنتخابات الإيرانية الأخيرة حدثاً غاية في الأهمية؛ فقد كانت هذه الإنتخابات بمثابة استفتاء عام على مشروعية النظام، وترمومتر لمعرفة موقف الشعب الإيراني من نظام بلاده وآرائه تجاه سياسته، مثلما تبرهن للرأي العام الدولي على سلامة الديمقراطية الإيرانية وجاذبيتها بالنسبة للمواطن الإيراني. وعلى هذا الأساس إذن يمكن فهم أهمية هندسة الإنتخابات الإيرانية الأخيرة في ظل النظام الديني الشمولي القائم. 

فخلال المرحلة الثانية من هذه الانتخابات، تأرجحت كفة السباق بين مرشحين ينتمي أحدهما إلى الجناح الإصلاحي المحافظ والثاني إلى الجناح المعتدل، لتميل في الأخير لصالح مسعود بزشكيان.

إذا ما عدنا للوراء قليلاً، نرى أن بعد وفاة الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، إثر حادثة سقوط طائرته المريبة والمثيرة للشكوك، تنافس على خلافة مقعده، داخل أجل 50 يوماً، ستة مرشحين لهم سوابق متشابهة تقريباً، مع فارق وحيد هو استفادة المرشح مسعود بزشكيان من دعم محمد جواد ظريف (وزير الخارجية الأسبق على عهد حكومة حسن روحاني) وانضمامه إلى معسكره.

لم يقدِّم محمد جواد ظريف ترشيحه للرئاسة لكن وجوده على الساحة أعاد للأذهان إحدى أهدأ فترات السياسة الخارجية الإيرانية إزاء التهديدات الأجنبية. وهو الدبلوماسي الذي كان يتمشى في جنيف جنباً إلى جنب مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ويتحدث إنجليزية طليقة تفضل إنجليزية المسؤولين الأمريكيين، وهو الذي نجح في معالجة أحد أعقد ملفات السياسة الخارجية الإيرانية: ألا وهو الملف النووي.

وجه سياسي أثار الكثير من الجدل خلال عقد 2010م. وبعد التوقيع على الاتفاق النووي ارتفعت أسهمه في بورصة النظام السياسي الإيراني وبزغ نجمه متفوقاً حتى على رئيس الجمهورية آنذاك حسن روحاني.

غير أن نجم الجناح الإصلاحي سوف يهوي مع اشتعال شرارة المظاهرات الشعبية المناوئة للنظام في العام 2017 على خلفية الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة وقمعها بالقوة، وإسقاط الطائرة الأوكرانية في 8 يونيو 2020 ومقتل ركابها الـ167.

لم يحقق توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى طموحات الشعب الإيراني ولم ينعكس بالإيجاب على أوضاعه المعيشية، كما كان يُروَّج رسمياً لذلك، إلا أنه حرر الحكومة الإيرانية من وطأة العقوبات. وقد بذل محمد جواد ظريف مساعي مضنية من أجل إنقاذ نظام الجمهورية الإسلامية وخلق قنوات دبلوماسية رسمية للتواصل مع الغرب. ولم يكن لينجح في ذلك من دون حصوله على ضوء أخضر من المرشد الأعلى.

في ظل مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، انفرطت عرى كل التوافقات التي أقامتها إيران مع إدارة أوباما، ولم يكن ليقبل المسؤولون الإيرانيون، في ظل الواقع الجديد، بإجراء محادثات مباشرة مع أمريكا بلا وسيط وأمام عدسات الكاميرات. وأصروا على إبقاء الاتصالات بصورة غير مباشرة، وعقد المحادثات بين وزراء الخارجية أو الجلسات المباشرة المفتوحة بحضور الوسيط، كما جرى العمل بذلك أيضاً في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي في سلطنة عمان.

مسعود بزشكيان الفائز بالإنتخابات الرئاسية، لا يتمتع بالكاريزما اللازمة ولا يحمل خلفه ثقلاً سياسياً هاماً، كما أنه لا يحظى بدعم شعبي، لأن الرجل لا يعرفه أحد كي يصوت له على أساس سيرته وسابقته. وهنا تدخل المرشد بدهائه ليدفع بمحمد جواد ظريف ليكون في صف بزشكيان. والهدف هو جلب أصوات الناخبين والمشاركة المكثفة في التصويت له.

يُذكر أنَّ مجلس صيانة الدستور لم يؤيد صلاحية بزشكيان لخوض انتخابات 2022، فما الذي تغير اليوم ليصبح مؤهلاً للترشح في هذه الانتخابات؟؟!

مهندس الانتخابات – محمد جواد ظريف – الذي نتحدث عنه درس كل الجوانب بدقة، وكان يعلم أن الإتيان بشخصية شبيهة بإبراهيم رئيسي، وعطفاً على الأحداث في أمريكا والغرب، لن يخدم مصالح النظام في الوقت الراهن. وكل ما شهدناه خلال الحملات الانتخابية والخطابات الحماسية للمرشح بزشكيان طوال الـ50 يوماً قبل التصويت كان محمد جواد ظريف الوجه البارز والمؤثر فيه. فهو الحاضر أمام الناخب الإيراني وأمام المتابع الأجنبي.

وهكذا تحول مسعود بزشكيان، المرشح المعتدل الذي تخلو سابقته السياسية من أي ملفات إصلاحية ولم يسبق له اتخاذ أي قرار لصالح الشعب الإيراني، (تحوَّل) بقدرة آية الله خامنئي إلى مرشح إصلاحي تمت تقويته بمحمد جواد ظريف ليفوز بالانتخابات.

فضلا عن الاعتبارات الداخلية المتمثلة في تشجيع الناخبين ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات، وهي تحد مهم بالنسبة للنظام، هناك اعتبارات أخرى وراء الزج بمحمد ظريف ورفع أسهمه؛ لعل أهمها الحاجة الملحة إليه في المستقبل القريب بعد إجراء الانتخابات الأمريكية المقبلة.

وكما أن الشعب الأمريكي والغرب يتوقعان وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإن مسؤولي الجمهورية الإسلامية لا يستبعدون هذا الاحتمال.

ظهور محمد ظريف في الحملة الانتخابية لمرشح مغمور يدعى مسعود بزشكيان، أعاده من جديد إلى الساحة السياسية الإيرانية وفتح في وجهه المجال الدبلوماسي.

ختاماً؛ تواجه المرشد العجوز تحديات كبيرة ويتعيّن عليه خوضها قبل أن يعيِّن خليفة له لقيادة الجمهورية الإسلامية بعده، وأهم هذه التحديات تهديدات من قبل أمريكا والغرب للبرنامج الاستراتيجي للنظام، أي البرنامج النووي.

فعلى الرغم من كل الإجراءات المتخذة، سجلت المشاركة في الانتخابات الإيرانية أدنى مستوياتها قياسا بكل الدورات السابقة؛ فقد وصل مسعود بزشكيان إلى سدة الحكم بـ 16 مليون صوت، وهو رقم أقل مما سجله سابقه إبراهيم رئيسي. وجزء من هذه الأصوات محسوب على سعيد جليلي، وجزء منها يرجع الفضل فيه إلى محمد جواد ظريف وأتباعه من الإصلاحيين.

هذا الرقم يثبت أن الأكثرية عزفت عن المشاركة في العملية الانتخابية، وعبرت بعدم ذهابها إلى صناديق الاقتراع عن معارضتها لهذا النظام وعدم رضاها عنه.

وهكذا، يمكن القول إن نظام الجمهورية الإسلامية صوَّت يوم 5 يوليوز لصالح محمد جواد ظريف وأوصل مسعود بزشكيان إلى الرئاسة الإيرانية.

Exit mobile version