الهديل

خاص الهديل: الزيارة في اللحظة الخاطئة: ما معنى أن يصف نتنياهو أميركا بأنها “بلد اللايقين السياسي”؟؟..

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

منذ العام ٢٠٢٢ لم يزر بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة الأميركية، كون الرئيس الأميركي بايدن اتخذ موقفاً متحفظاً من حكومته التي تضم ممثلين عن أحزاب متطرفة.. ولكن بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ انقطع عدم التواصل الذي ساد بين الرجلين؛ بسبب قرار بايدن بتخطي تحفظه على حكومة نتنياهو، نظراً لحدوث أمر طارئ يستدعي إظهار دعم أميركي أعمى وسريع لإسرائيل التي تعرضت بحسب خطاب بايدن ونتنياهو المشترك “لمذبحة” على أيدي حماس!!

أرسل بايدن أساطيله إلى البحرين الأحمر والمتوسط لدعم إسرائيل؛ ثم جاء شخصياً إلى تل أبيب وحضر بنفسه اجتماع كابينت الحرب الإسرائيلي في واحدة من جلساته المبكرة التي خططت استراتيجية الحرب على غزة؛ وحضور بايدن هذا الاجتماع أعطى انطباعاً واضحاً بأن “أميركا- بايدن” ليست فقط داعمة لإسرائيل، بل هي من جهة شريكة معها بالحرب على غزة؛ وهي من جهة ثانية منخرطة بمهمة ردع توسع الحرب، انطلاقاً من تقدير استراتيجي للموقف وضعه البنتاغون ولا زال يعتبره صحيحاً؛ ومفاده ان إسرائيل – وحتى مع المساعدة الأميركية – لا تستطيع أن تخوض أكثر من حرب في آن معاً..

اللافت اليوم أن نتنياهو وهو يستعد لصعود الطائرة باتجاه واشنطن، حرص على قول ثلاثة أمور: أولاً انه لا يفرق بين الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي؛ لأن اميركا بكل أحوالها الحزبية تدعم إسرائيل.. الأمر الثاني هو أنه يصل إلى واشنطن في لحظة أن إسرائيل تقاتل على ٧ جبهات في آن معاً، وليس فقط على جبهتين كما حذر البنتاغون؛ الأمر الثالث هو أنه “سيلتقي بايدن” الذي يخاصمه بسبب نظرتهما المختلفة للصفقة ولليوم التالي؛ و”سيلتقي ترامب” لينهي معه الخلاف الذي نشب بينهما بعد خروج الأخير من البيت الأبيض. وعليه يمكن القول أن نتنياهو ذاهب في رحلة تصفية خلافه مع الرئيس المغادر وأيضاً خلافه مع المرشح الأوفر حظاً لنيل الرئاسة؛ أي ترامب..

.. ومن هنا فإن الحماسة التي كان متوقعاً ان تصاحب زيارة نتنياهو لأميركا خفتت الآن إلى حد كبير؛ نظراً لكون هذه الزيارة تجري في توقيت تشهد فيه الولايات المتحدة الأميركية “حالة من اللايقين”، وفقاً لتوصيف نتنياهو نفسه؛ وبالتالي فإنه بات يصح تسمية زيارته بأنها “زيارة لبلد اللايقين”.. 

تقع البرودة التي لحقت بزيارة نتنياهو في واقع انه بينما كان مطلوباً منه بأن يشرح للبيت الأبيض عن موقفه من اليوم التالي في غزة؛ فهو اليوم سيجلس أمام بايدن الذي ليس لديه فكرة عن اليوم التالي لما بعد انسحابه من السباق الانتخابي.. بمعنى هناك في هذه اللحظة “لايقين” داخل إدارة البيت الأبيض الموجودة حالياً في مرحلة انتقالية مشوشة؛ وهناك أيضاً لا يقين عند ترامب الواثق بأنه كان سينتصر على بايدن؛ ولكن بعد انسحاب الأخير من المعركة الرئاسية؛ أصبح في هذه اللحظة – التي هي لحظة وصول نتنياهو لواشنطن -؛ غير متيقن من كيف ستصبح معركته الرئاسية نظراً لأنه غير متيقن بعد من إسم خصمه الديموقراطي الذي سينافسه ويناظره..

باختصار تحصل زيارة نتنياهو في لحظة دخول أميركا بعاصفة ضباب سياسية داخلية عارمة، وبالتالي لن يكون ممكناً لنتنياهو أن ينظم جدول عمل منتج لزيارته.. وربما كان العنوان الذي اختاره نتنياهو لزيارته هو الأكثر دقة: “زيارة لبلد اللايقين السياسي”.

السؤال الأهم، والذي ربما لديه منزلة أبعد من شؤون هذه اللحظة؛ هو هل سمة اللايقين السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، هي حالة عابرة، أم أنها مرشحة لأن تستمر حتى بعد الانتخابات الأميركية في ٥ نوفمبر؟؟.

 

إن انتقاء مصطلح “اللايقين السياسي” الذي استخدمه نتنياهو في توصيف وضع أميركا السياسي؛ هو أمر يجدر التوقف عنده، وذلك لعدة أسباب جوهرية؛ بينها ان نتنياهو يعتبر الأكثر خبرة بالشأن الداخلي الأميركي؛ وأيضاً لأن نتنياهو حاول في تصريحه خلال توجهه لواشنطن القول انه يحيد مصالح إسرائيل في أميركا عن صراع اللايقين السياسي الجاري حالياً هناك بين أجنحة ومصالح وتحولات عدة، تتلطى جميعها بالصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي.. وهذا الواقع السائد في أميركا، والذي يراه نتنياهو جيداً؛ هو الذي دفعه للنزول في هذه اللحظة من مركبيي الحزبين، وإعلان حياده بينهما، وذلك بانتظار أن يرى إلى أين ستذهب أميركا بحمولتها الضخمة من التحولات والتحديات الداخلية والخارجية!!؟.

Exit mobile version