خاص الهديل….
قهرمان مصطفى
لا شك أن هناك دلالات واضحة على استمرار اسرائيل بحربها الإبادية على غزة، والبادئة منذ السابع من أكتوبر 2023، ولعل أبرز الدلالات هي هزيمة الجيش الاسرائيلي الذي لايُقهر بجحافله وأسلحته الأمريكية ودباباته، والدعم الغربي المتواصل له أمام مزيد من سقوط ضحايا ونزيف الدماء من الشعب الفلسطيني من جهة ومن الشعب اللبناني المتواجد في جنوبه من جهة ثانية. فلا تتصور يا عزيزي القارئ مطلقاً ولا تتوهم أو تظن أن تل أبيب حققت نجاحات وإنجازات بمزيد من العدوان براً وجواً وبحراً، ويمكن حصر دلالات «هزيمة إسرائيل» وتوضيحها وفهم سياقاتها وأساليبها واختصارها في عدة نقاط :
أولاً: استمرار اسرائيل حربها على غزة ليصل لـ300 يوم وليلة، وارتفاع حصيلة العدوان على القطاع لما يقرب من 38 ألفاً و794 شهيداً، و89 ألفاً و364 مصاباً منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ وضع إسرائيل وداعميها في خانة “المنبوذين”، وهو نوع كبير من الهزائم على المستوى الدولي، مما دفع شعوب العالم للتعاطف مع الشعب الفلسطيني إزاء غباء رئيس الوزراء نتنياهو.
ثانياً: إن استمرار الجيش الاسرائيلي بقوته الغاشمة تحركاته الهمجية وغاراته البرية والجوية، هي هزيمة لإسرائيل أو بالمعنى الأحرى – الولايات المتحدة الإسرائيلية – فلو كانت تمتلك إسرائيل القوة الضاربة لاستطاعت من اليوم الأول تحقيق أهدافها العسكرية المعلن عنها، ولعل أبرز هذه الأهداف تحرير الأسرى الإسرائيليين واستعادتهم دون الاستمرار في إبادتها الجماعية بحق الفلسطينيين.
ثالثاً: تمتلك تل أبيب – العاصمة الغربية للولايات المتحدة الأمريكية – معلومات استخباراتية واسعة ودقيقة بشكل لحظي من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول، ورغم ذلك لم تستعد سوى ما يقرب من 84 أسيراً بالهدنة بجانب 4 بالقوة؛ بينما يظل قرابة 120 أسيراً لدى الفصائل الفلسطينية، وهذا إن دل شيء فإنما يدل على حجم المعلومات الاستخباراتية والدعم الأمريكي الغربي الذي لم تستطع إسرائيل استثماره، وحسم المعركة مع الفصائل الفلسطينية، وما زالت إسرائيل تضرب وتدك فلسطين رغم ما يتوفر لديها من إمكانيات مهولة، وهو تجسيد حقيقي لـ “الفشل الذريع”.
رابعاً: لا تعتقد عزيزي القارئ أن استمرار الحرب التي تشنها اسرائيل على غزة والجنوب اللبناني، دفع الجبهة الداخلية الإسرائيلية نحو التماسك والتكاتف والتضافر والتعاون والتآزر بل على العكس تماماً، فعندما نرى بشكل شبه يومي خروج مظاهرات ضد نتنياهو وتطالب بإسقاطه، فذلك دليل واضح أن تلك المظاهرات والاحتجاجات عملت على تفكيك وتشتت في الداخل الإسرائيلي على جميع المستويات الرسمية والسياسية والشعبية، وعزز استمرار العدوان منذ السابع من أكتوبر على إصرار إسرائيلي وتصميم على الإطاحة بـ “بنيامين نتنياهو”، والمطالبة باستقالته وإجراء انتخابات مبكرة، ليس هذا فحسب، بل طالب المحتجون ضد سياسة نتنياهو بسرعة التوصل إلى اتفاق فوري لإطلاق سراح نحو 130 رهينة إسرائيلية ما زالوا محتجزين في غزة، ويفترض أن عدداً غير معروف منهم قد مات بسبب غياب سياسة “بيبي” بجانب ذلك ضياع الأمن والأمان داخل إسرائيل، ولعل آخرها المُسيرة اليمنية التي طالت إسرائيل، وأحدثت انفجاراً وسط تل أبيب على بعد نحو 100 متر من مجمع المكتب الفرعي للسفارة الأمريكية، فضلاً عن استمرار الاشتباكات بين الحوثيين وحزب الله من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وهو ما يزيد من الخسائر الإسرائيلية.
خامساً: شعارات حقوق الإنسان الرنانة التي تعرى عنها الغرب إزاء ما يحدث في غزة، تؤكد أن العالم لا يحترم إلا القوى، وأن تجويع أهالي فلسطين وقتلهم أمام عيون الجميع، وحرق الجثث وهدم البنية التحتية دلالة على أن القوانين الدولية وضعت من أجل المصالح وليس الإنسانية.
وفي الختام، يتضح أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تحقق أهدافها المعلنة، بل على العكس، أبرزت الأحداث عجز تل أبيب وفشلها رغم الدعم الدولي الكبير. استمرارية الهجمات ووحشيتها لم تؤدِ إلا إلى مزيد من الخسائر والدمار، مما دفع المجتمع الدولي للتعاطف بشكل أكبر مع القضية الفلسطينية.