الهديل

خاص الهديل: خطاب نتنياهو والأهداف المستحيلة: حلم نموذج تشرشل وواقع مصير إيهود أولمرت!!

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

 

ركز نتنياهو خلال خطابه على اتباع أسلوبين إثنين، وعلى الترويج لثلاثة أهداف استراتيجية من وجهة نظره:

 

.. أما الأسلوب الأول الذي حرص على أن يتسم به البنية الإيحائية لخطابه؛ فهي تقوم على تنفيذ مقولة: “إكذب ثم إكذب حتى يصدقونك”. وقد مارس نتنياهو خلال خطابه هذه المقولة على نحو مكشوف ومن دون أن يخجل منها؛ وذلك عندما قال إن الجيش الإسرائيلي لم يقتل مدنيين فلسطينيين في غزة؛ علماً أن الهيئات القضائية التابعة للأمم المتحدة تؤكد أن إسرائيل ترتكب مجازر في غزة؛ وحرب إبادة.. 

 

الأسلوب الثاني الذي اتبعه نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس قديم وتمت ممارسته طوال الفترة التي واكبت عمل الحركة الصهيونية منذ تأسيسها حتى احتلال فلسطين وصولاً لغاية هذه اللحظة. مفاد هذا الأسلوب يختصر بمصطلح “الإستسهال والتبسسط”؛ أي استسهال تزوير الحقائق الكبيرة؛ وعرضها بشكل تبسيطي وليس مبسطاً. ومن الأمثلة على ذلك القول بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.. لقد جاءت إلى فلسطين بعد إعلان قرار التقسيم في الأمم المتحدة؛ لجان تحقق دولية عدة لتفحص أين هي الأرض الخالية التي يمكن بناء الدولة العبرية عليها؛ وكل هذه اللجنة كتبت توصية واحدة وهي أن فلسطين مملؤة بسكانها العرب.. ومع ذلك استمرت الحركة الصهيونية وداعميها بالقول إن فلسطين هي أرض بلا شعب، الخ.. 

 

وتم استكمال مسلسل تزوير الحقائق الكبرى بأسلوب تبسيطي، حينما أبرم وعد بلفور الذي بموجبه أعطى من لا يملك (بريطانيا) لمن لا يملك (الحركة الصهيونية) أرضاً من دون موافقة مالكها (الفلسطيني)..

أمس مارس نتنياهو في الكونغرس على نحو مكشوف أسلوب استسهال الكذب وتبسيط تزوير الحقائق الكبرى معتمداً على مبدأ: “إكذب ثم إكذب حتى يصدقونك”!!

 

السؤال هل صدّق من حضر من أعضاء الكونغرس؛ وهؤلاء لم يكونوا أغلبية ولكنهم ليسوا أقلية؛ كلام أو كذب نتنياهو؛ وهل وافقوا على استسهاله تزوير الحقائق الكبرى لجهة المجازر التي تحدث في غزة.

 

زعيم الاتجاه اليساري والتقدمي في الحزب الديموقراطي وصف خطاب نتنياهو بأنه خطاب مجرم حرب؛ ونانسي بيلوسي هاجمت كلامه في الكونغرس؛ والبيت الأبيض المعبر عن بايدن، قال إن الخطاب تم إلقاؤه في ظرف صعب؛ في إشارة إلى عدم رضا بايدن عن كون خطاب نتنياهو لم يتضمن إشارة واضحة لموافقته على إبرام اتفاق تبادل الأسرى.

 

والواقع ان غضب بايدن هذا في واشنطن من خلو خطاب نتنياهو من أي اشارة لرغبته بتوقيع اتفاق تبادل الأسرى، عبّر عنه في إسرائيل حليف الرئيس الأميركي؛ أي زعيم المعارضة الإسرائيلية يئير لابيد حينما قال فور انتهاء خطاب نتنياهو أنه من العار أنه تحدث كل هذا الوقت في الكونغرس، ولم يتطرق للحظة لموضوع إطلاق الأسرى.

 

أما الأهداف الاستراتيجية التي أراد نتنياهو أن يروج لها في الكونغرس فهي التالية: أول هدف تمثل بقوله الصريح ولو بشكل موارب: أي حل أو أية رؤية للعمل في الشرق الأوسط، يجب حتى تنجح أن تبدأ من نقطة القضاء على حماس؛ وقبل تحقيق النصر المطلق على حماس الذي يجسده مشهد واحد، وهو تسليم حماس سلاحها؛ لن يكون من الممكن الحديث عن اليوم التالي لا في غزة ولا في الشرق الأوسط!!

 

في استراتيجية نتنياهو فإنه قبل تحقيق النصر المطلق على حماس لن يكون ممكناً تنفيذ ما يعرف بـ”عقيدة بايدن” الخاصة بالبدء بتنفيذ أجندة الاندماج الاقتصادي الإقليمي التي حجر الزاوية فيها تحقيق أمرين وهما “تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل” و”التوافق على حل الدولتين”.

 

.. بمعنى آخر فإن التباين بين نتنياهو وبايدن يقع في النقطة التالية: يعتبر نتنياهو أن أول خطوة لتحقيق مبدأ بايدن يجب أن تبدأ بتحقيق النصر المطلق على حماس (قبول حماس بتسليم سلاحها)؛ فيما بايدن وفريقه من بلينكن مروراً بسوليفان وصولاً لهاريس؛ يعتبرون أن أول خطوة للبدء بتحقيق عقيدة بايدن التي تحقق الأمن المستديم لإسرائيل؛ وتحقق الاستقرار في المنطقة وتعزل إيران؛ هي خطوة إطلاق سراح الأسرى من أيدي حماس؛ حيث من هذه الخطوة يبدأ بناء أول مدماك ثقة على طريق بدء التطبيع بين السعودية وإسرائيل الذي هو حجر الزاوية بمجمل المشروع الأميركي عن الاندماج الإقتصادي في الشرق الأوسط.

 

الهدف الاستراتيجي الثاني الذي سعى نتنياهو للترويج له في خطابه بالكونغرس هو موافقة واشنطن على الرؤية القديمة لدور إسرائيل في المنطقة؛ وجسد هذا المعنى حينما ذكّر بعبارة ونستون تشرشل التي قالها لحلفائه في المحور خلال الحرب ضد المانيا وكانت بريطانيا تتكفل بها نتيجة وضعها الجغرافي: أعطوني الوسائل من دون تأخير وبريطانيا تتكفل بإنهاء المهمة!! ويريد نتنياهو القول: أعطني يا بايدن الوسائل العسكرية بسرعة وإسرائيل ستتكفل بمهمة هزيمة إيران في الشرق الأوسط!!

 

طرح نتنياهو لم يعد له قرائن مادية تدعمه؛ فلو أن بن غوريون رفع هذا الشعار بعد العام ١٩٦٧ وكان إلى جانبه يقف الجنرال موشي دايان، لكان حينها سيكون ممكناً فهمه وتفهمه؛ لكن ما فات نتنياهو أمس أنه لا قوة إسرائيل على الردع في المنطقة لا تزال على حالها ولا استراتيجيات المواجهة الأميركية في العالم وفي المنطقة لا تزال على حالها أيام الحرب الباردة وخلال المرحلة التي كان الغرب يعتبر فيها إسرائيل قاعدته العسكرية المتقدمة بوجه الروس في الشرق الأوسط.. لقد تغير الزمن، وصارت إسرائيل بحاجة لحماية الغرب في المنطقة، بدل أنها كانت حامية لمصالح الغرب في الشرق الأوسط.. 

 

الهدف الاستراتيجي الثالث الذي أراده نتنياهو هو تشكيل ائتلاف إقليمي تكون إسرائيل مركزه؛ وهذه هدف لا يتحقق إلا إذا انتصرت إسرائيل في حرب غزة، وهو أمر مستحيل موضوعياً..

.. باختصار في خطابه أمس؛ وفي كل مناوراته منذ ٧ أكتوبر حتى الآن، لدى نتنياهو همّان إثنان:

الأول هو تجنب اعترافه بأن هناك هزيمة استراتيجية لحقت بإسرائيل؛ وبالتالي تجنب التسليم بأن عليه إنشاء استراتيجية جديدة لضمان مستقبل لإسرائيل ضمن حجم جديد لها داخل موازين القوى في المنطقة وفي العالم.. 

.. الهم الثاني هو البحث عن نصر يؤمن له على مستوى حياته السياسية الشخصية ان يكون نسخة عن تشرشل وليس عن إيهود أولمرت الذي خرج من السلطة إلى السجن بتهم الفساد، ومكبلاً بنفس الوقت بأصفاد هزيمة حرب العام ٢٠٠٦ .

Exit mobile version