خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
إعتبر الأمين العام لحزب الله أمس أن إسرائيل ارتكبت حماقة فادحة حينما تجرأت وارتكبت فعل “إهانة لشرف” الجمهورية الاسلامية في إيران.. ولم يفت السيد نصر الله أن يوضح أمراً جوهرياً من وجهة نظر كثيرين، وهو أن مصطلح “شرف الدول” ليس مطروقاً بالعصر الحديث إلا نادراً كمصطلح سياسي متداول؛ ولكن نصر الله أعطاه الدرجة الأولى في ترتيب الأمور التي تستفز إيران، أو التي لا تتسامح بشأنها الدولة الإيرانية.
.. فظاعة ما قامت به إسرائيل – وفق كلام السيد نصر الله أمس – لا ينبع فقط وبالأساس من أن تل أبيب هاجمت إيران فوق أرضها ودنست بذلك سيادتها الوطنية؛ ولا ينبع فقط وبالأساس من كونها قامت بعمل حربي داخل عاصمتها؛ بل ينبع أيضاً وبالأساس وقبل كل شيء من كونها اغتالت ضيف الجمهورية الإسلامية الذي هو أيضاً ضيف مرشدها السيد خامنئي؛ ما يعني أنها أهانت شرف إيران.
لا يمكن التكهن فيما إذا كان نتنياهو فطن لهذا الجانب (أي المس بشرف إيران ومرشدها) حينما وقع قرار تنفيذ عملية اغتيال اسماعيل هنية ضيف إيران وضيف مرشدها، وذلك خلال وجوده في طهران..
لقد منع نتنياهو وزراءه من التعليق على عملية اغتيال هنية؛ وهو ذاته علق بشكل مقتضب وغير مباشر حينما قال ان “عمليات الاغتيال هذه هي رسالة بأن إسرائيل ستقوم بإيذاء الجهات التي تؤذيها” ..
.. بالنسبة لنتنياهو فإن عملية اغتيال هنية تندرج في خانة الانتقام؛ أما بالنسبة للسيد خامنئي – ودائماً بحسب ما قاله السيد نصر الله -؛ فإن الإغتيال هو فوق أنه اعتداء على السيادة الإيرانية فإنه مثّل أيضاً “جريمة شرف” وتجرؤ على ضيوف الجمهورية الاسلامية ومرشدها..
كان لافتاً أن إيران في خلال تشييع الشهيد اسماعيل هنية حرصت على أن تتضمن المراسم كل الإشارات التي توحي باستعظام الجمهورية الإسلامية للواقعة؛ وهذا الإيحاء وجد تعبيره بأن السيد خامنئي أمّ شخصياً صلاة الجنازة؛ وبأن بحراً من المشيعين ساروا وراء نعش هنية في رسالة إلى إسرائيل بأن إيران المجتمع والشعب والدولة والحرس، غاضبة؛ وبأن الجمهورية الإسلامية التي رفعت “علم يا ثارات الحسين” عند مطل عال في طهران، سوف تنتقم لشرفها وسوف تأخذ بثأر ضيفها وضيف مرشدها الروحي..
.. وداخل هذه الصورة التي ظهرت واضحة خلال تشييع هنية؛ تظهر صورة أخرى لم تكن واضحة أو ظاهرة، ولكنها ماثلة داخل ذاكرة أي مراقب تابع على مدى العقود الأخيرة – التي هي عمر الثورة الخمينية – كيف تتفاعل السياسة الإيرانية البرغماتية (بغض النظر عن ليبرالية هذا التوصيف) و”المحتسبة” و”الباردة في انفعالها” مع أحداث كثيرة وكبيرة مرت عليها..
لقد اشتهرت إيران بأنها ذات “تفكير امبراطوري” في تعاطيها مع الأحداث التي تواجهها؛ فهي تتقدم لقطف هدفها في حالة واحدة، وهي فقط حينما يكون ناضجاً؛ وهي رغم حرارة قلبها إلا أنها لا تسمح لعقلها أن يسير خلف عواطفها.. وحتى حينما تكون العاطفة الإيرانية في عز طفرتها فإن العقل الإيراني يكون في عز يقظته أيضاً.. وعليه صار شائعاً القول على لسان أصدقائها وأعدائها وحلفائها وخصومها، ان إيران تبلور سياساتها بمثلما تخيط السجادة الإيرانية التي مع نسج كل خيط فيها يوجد قصة صبر استراتيجي، وتوجد حكاية تأني في حصد تجميع الخيوط داخل المشهد العام.
.. وما تقدم بخصوص كيفية تعاطي العقل الإيراني السياسي مع الأحداث، يجعل المراقب يصل لخلاصة تقول إنه لا يمكن توقع أن تتصرف طهران من خارج إرثها الإمبراطوري في التعاطي السياسي مع الأحداث؛ بمعنى انها ستحرص على توجيه رد على اغتيال هنية يأخذ باعتباره كل التوازنات الحالية التي في صالحها، التي لا تريد طهران تخريبها؛ وأيضاً كل المعادلات الراهنة التي تسجن نتنياهو داخل سجن حرب غزة؛ وأيضاً كل الاعتبارات التي لا تعطي ترامب ولو نقطة واحدة بالمئة في بورصة الاستطلاعات على حساب كامالا هاريس..
.. الثأر لهنية ولشرف الجمهورية الإسلامية لن يعني بحسب طريقة التفكير الإمبراطور السياسي الإيراني، “تنكيس العقال” و”عدم دفن الجثة قبل سفك دم الجاني”؛ بل مزيداً من الصبر على الجرح وهو يشفى؛ ومزيداً من العناية بحفر الكمين لاصطياد الثمن الاستراتيجي؛ وجعل “الدية” السياسية – إن جاز التعبير – مؤلمة على الجاني (إسرائيل) وعلى أهل الجاني (أميركا) وعلى حلفائه..