الهديل

خاص الهديل: فتوى المرشد: “الرد من أرض إيران واجب”..

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

خلف ضجيج التهديدات المتبادلة بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل والغرب من جهة ثانية؛ وخلف تتابع مؤشرات أن حرباً وشيكة ستقع؛ وهي مؤشرات متمثلة بإعلانات إلغاء شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى لبنان وإسرائيل ودول أخرى ذات صلة بأزمة الرد على اغتيال القياديين فؤاد شكر وإسماعيل هنية (الخ).. خلف كل هذا الضجيج توجد في الظل دوائر تفكر على نحو بارد وهادئ وهي تمسك بناصية الأحداث انطلاقاً من نقطة أن الدول تحرك مواقفها العملية والاستراتيجية ونوعية استجابتها للأحداث، المصالح وليس العواطف..

.. على مستوى توقع الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران؛ لا شك أن إيران ملزمة بالرد؛ وهو “واجب” بحسب تعبير المرشد السيد علي خامنئي”؛ وهذه لغة تضمر إطلاق “فتوى بواجب الرد” على اغتيال هنية في طهران ما عاد يمكن إبطالها..

.. وأيضاً لا شك أن إيران سترد من أراضيها؛ وهذا أمر حتمي أيضاً؛ والسبب وراءه هو أن هناك منذ قيام الثورة الاسلامية الخمينية، مسلّمة معتمدة على مستوى الأمن القومي الإيراني؛ مفادها أنه حينما تتعرض إيران لاعتداء ضد مصالحها خارج أراضيها فهي ترد على هذا الاعتداء خارج أراضيها؛ أما حينما تتعرض إيران لاعتداء عليها داخل أراضيها فإنها ترد على المعتدي انطلاقاً من داخل أراضيها..أضف إلى ذلك أن طهران تحرص على الهيبة الإيرانية، بالنظر لكون إيران جمهورية ثورية إضافة لكونها دولة عميقة.. كما أن هيبة إيران تقاس من قبل الدولة الإيرانية بمنظار أنها تمثل استثماراً أمنياً يستخدم بالدفاع عن سيادة الجمهورية الإسلامية..

 

كل ما تقدم هي عوامل تؤدي إلى تركيب الجملة السياسية المفيدة التالية أو ربما الفتوى التالية؛ وقوامها ان “طهران ملتزمة بواجب الرد من داخل أرضها على اعتداء الموساد عليها داخل أرضها”. وتقول طهران إن ردها سيكون قاسياً ومختلفاً عن الرد الذي قامت به في نيسان الماضي رداً على ضرب إسرائيل قنصليتها في دمشق..

لم يتمكن أي متابع أن يحدد بشكل مسبق طبيعة “الرد الإيراني القاسي والمختلف عن الرد السابق”؛ ولكن منطق الأمور يقول إن الرد الإيراني سيتم تحت سقف اعتبارين استراتيجيين إثنين؛ وبكلام أوضح فإن الرد الإيراني سيتلتزم بخطين أحمرين إثنين لن تتجاوزهما طهران لأن تجاوزهما يخدم صميم استراتيجية نتنياهو: 

الخط الأحمر الأول والأهم والأساسي هو التزام إيران برد لا يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية؛ لأن مثل هذه المواجهة هي ما يسعى إليها بنيامين نتنياهو.

منذ مجيء نتنياهو إلى الحكم، وضع نصب عينيه التطلع لتحقيق هدفه الذهبي الاستراتيجي وهو جر إيران وأميركا للإشتباك المباشر فوق ميدان الشرق الأوسط.. 

.. وحالياً سيكون نتنياهو أول الرابحين وسط كل خسائره؛ فيما لو نجح بجعل أزمة اغتيال إسماعيل هنية تسفر عن “مواجهة حرب شاملة” بين واشنطن وطهران في الشرق الأوسط.. والواقع أن من شأن مثل هذه المواجهة أن تتدحرج بإتجاه ضرب الولايات المتحدة لمواقع إيران النووية أو أقله من شأنها أن تشكل غطاءاً عسكرياً وسياسياً لإسرائيل كي تقوم بتنفيذ حلم نتنياهو المتمثل بأن يضرب منشآت إيران العسكرية، ويحاكي ضد إيران نفس ما فعله مناحيم بيغن في العراق حينما ضرب مفاعله النووي.

أغلب الظن أن إيران ستفوت هذه الفرصة على نتنياهو؛ وعليه يمكن القول إن من أهم أسلحة إيران الهجومية على نتنياهو هو توجيه ضربة له تؤلمه وتقلص من هيبة الردع الإسرائيلية الإقليمية؛ وبنفس الوقت لا تخلق – أي هذه الضربة – تداعيات تستدرج واشنطن للاشتباك مع طهران فوق ميدان الشرق الأوسط.

الخط الأحمر الثاني هو ابتعاد إيران وحلفائها عن إلحاق خسائر بالمدنيين في إسرائيل؛ لأن من شأن ذلك أن يجعل الموقف الدولي يقف ضد إيران بنفس الطريقة التي وقف بها الموقف الدولي ضد حماس خلال الأسابيع الأولى من هجوم ٧ أكتوبر ..

ليس من مصلحة طهران ولا من مصلحة حلفائها في لبنان وسورية والعراق واليمن القيام بعمل عسكري يتم تصويره على أنه امتداد في نتائجه المدنية (وليس الاستراتيجية) ل ٧ أكتوبر؛ لأن ذلك سيجعل تل أبيب تكسب إعلامياً وسياسياً على مستوى العالم الذي رغم إجرام إسرائيل؛ فإنه لا يزال يفتعل الربط بين واقعة ٧ أكتوبر العام ٢٠٢٣ وبين هولوكوست الحرب العالمية الثانية في أوروبا ضد اليهود.. 

ما تقدم يعني أن طهران ستبحث بدقة عن أهداف استراتيجية لردها؛ والمقصود هنا أنها ستبحث عن أهداف سياسية استراتيجية بأكثر مما هي عسكرية.. 

أما نتنياهو فهو لا يريد رؤية واشنطن تستمر بأداء دور عدم المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران؛ وهو يعتقد أن أهم فرصة لتحقيق هدفه هذا، متوفرة الآن مع وجود بايدن البطة العرجاء والصهيوني غير اليهودي، في البيت الأبيض..

Exit mobile version