الهديل

خاص الهديل: “الحرب التي لم تقع بعد”: جني النتائج قبل انطلاق المدافع..

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

انتهت ساعات ليلة الأحد الأثنين ولم يحصل الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل اسماعيل هنية في طهران. هذا الموعد للرد الإيراني كانت حددته وسائل الإعلام الإسرائيلية؛ ثم لساعات جرى التعامل معه داخل إسرائيل وحتى في دول أخرى، وأيضاً من قبل شركات الطيران العالمية؛ وكأنه موعد رسمي وأكيد للرد الإيراني..

جزء كبير من جو الحرب القائم اليوم في المنطقة نتيجة اغتيال هنية والسيد فؤاد شكر، هو “حرب أكثر من نفسية وأقل من واقعية”.. بمعنى أن حالة انتظار الحرب السائدة وما يترتب عليها من خسائر اقتصادية ومن أجواء قلق وخلود المدنيين إلى الملاجئ؛ وتعطيل الحياة العامة ضمن اتخاذ ترتيبات احترازية؛ كل هذه الأجواء والإجراءات والخسائر التي هي نتائج لحرب حقيقة، نلاحظ اليوم أنها وقعت فعلياً وأن إسرائيل والمنطقة تعيش نتائجها المادية، علماً أن هذه الخسائر تجري في ظل انتظار حدوث الحرب أو في ظل حرب هناك يقين بأنها ستقع، ولكنها فعلياً وعملياً لم تقع بعد.

الفكرة الأساس هنا هي أن هناك حروباً تقع على مستوى تحقق نتائجها الفعلية أو الجزء الأكبر من نتائجها الفعلية، ولكن من دون أن تقع الحرب فعلياً وعلى الأرض.

وضمن هذه الرؤية يمكن القول ان ما يحدث الآن فعلياً من نتائج؛ سيكون هو ذاته المتوقع حدوثه فيما لو وقعت الحرب فعلياً: مثلاً من المنتظر في حال وقعت الحرب فعلياً أن توقف شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى إسرائيل؛ ويتوقع رؤية عشرات الآلاف من المسافرين الإسرائيليين وهم عالقون في مطارات العالم؛ وحالياً وفي هذه اللحظة من “حالة انتظار الحرب التي لم تقع فعلياً بعد”، فإن عشرات الآلاف من المسافرين الإسرائيليين عالقين في مطارات العالم، لأن شركات الطيران العالمية التي كان يتوقع أنها ستتوقف عن المجيء إلى مطارات إسرائيل بسبب اندلاع الحرب، تتوقف الآن فعلياً عن المجيء إلى مطارات تل أبيب بسب خشيتها من اندلاع الحرب..

.. مشهد آخر يؤكد أن انتظار الحرب في ظل حالة من التوتر واليقين بأنها ستحدث، تجني نتائج مادية وسياسية ونفسية توازي النتائج التي يتم جنيها خلال شن الحرب الفعلية: مثلاً أمس انقطعت تغطية الجي بي اس (نظام التموضع العالمي) في كل إسرائيل؛ في الشمال (مدينة حيفا) وحتى في الوسط (تل أبيب الكبرى).. ومن يسير الآن في أحد أحياء تل أبيب يظهر له على الجي بي اس أنه يسير في أحد شوارع مدينة بيروت.. هذا الإجراء قامت به إسرائيل للتشويش على مسيرات وصواريخ إيران لحذفها عن أهدافها؛ ولكن هذه الإجراءات تتسبب الآن بحرف الإسرائيلي عن طريقه داخل تل أبيب وتشوش حركته. ويجري كل هذا التعطيل لسلاسة الحياة العامة؛ رغم أن إسرائيل حالياً هي في حال “الحرب التي لم تقع بعد”، أو هي في حال ما يسمى “بمرحلة انتظار الحرب التي ستقع حتماً”.

.. بين مصطلح انتظار الحرب التي ستقع “حتماً”، ومصطلح انتظار الحرب التي “لم تقع بعد”، تكمن كل القصة وكل أسرار الحروب التي يتم جني أهدافها، أو جني الجزء الكبير من أهدافها من دون شنها، وفقط عبر الاكتفاء بالتهديد الجدي بها..

حدثت أمس جولات دبلوماسية كثيفة في كل أرجاء المنطقة؛ وجميع هذه التحركات الدبلوماسية التي شاركت فيها واشنطن والقيادة العسكرية الأميركية المركزية والأردن وسلطنة عمان وبريطانيا وفرنسا، (الخ..)؛ تركزت على فكرة واحدة، وهي كيف تنتهي الحرب بتحصيل ثمنها السياسي؛ ولكن من دون أن تحدث (الحرب) فعلياً.. بعبارة أخرى هل يمكن دفع الثمن السياسي للحرب وللرد الإيراني على إسرائيل من دون أن تحصل هذه الحرب فعلياً وعملياً، ومن دون أن يحصل هذا الرد الإيراني فعلياً وعملياً.. وإذا كان ليس بالإمكان منع الحرب الفعلية من خلال الموافقة على دفع ثمن نتائجها السياسية من دون وقوعها؛ فما هو الثمن السياسي لتجزئة رد محور إيران على إسرائيل (أي موافقة المحور على قيام كل طرف فيه برد أحادي على إسرائيل)؛ وأيضاً ما هو الثمن السياسي للاكتفاء بوضع إسرائيل في حالة الحرب القادمة عليها، من دون الوصول إلى لحظة بدء الحرب عليها؛ أو للوصول إلى لحظة تنفيذ حرب ضدها تكون أضرارها متوافق عليها مسبقاً.

هناك نوع من الحروب تنتمي لمدرسة الحروب التي تقع لجهة جني نتائجها السياسية من دون أن تقع على الأرض فعلياً: فالتهديد بالحرب من دون خوضها هو أمر يحقق ذات النتائج السياسية؛ وذلك بشرط أن يترافق التهديد بالحرب مع إبراز القدرة على خوضها..

وما يحصل حالياً في العالم وفي المنطقة هو تكثيف الجهود الدبلوماسية التي تجعل الحرب المتوقعة تنتهي إلى الاكتفاء بالتهديد بها أو شنها على نحو محسوب، مع الاعتراف بوجود ثمن سياسي لهذه “الحرب التي لن تقع بعد” أو التي “ستقع بشكل منسق مسبقاً”؛ يجب دفعه لطهران وحلفائها وكأنها وقعت فعلياً..

Exit mobile version