خاص الهديل ….
قهرمان مصطفى…
مايمر به الشرق الأوسط اليوم من اوضاع راهنة هي حتماً نتاج للسياسات الأمريكية المتعاقبة على مدار السنوات الماضية. فقد اعتقدت واشنطن وما حكمها من إدارات أن التدخلات العسكرية في العراق وسوريا وغيرها من الدول ستضمن لهم الهيمنة والسيطرة؛ إلا أن النتائج كانت عكسية، حيث صعدت قوى إقليمية مدعومة من الجانب الإيراني، تمكنت من تحقيق مكاسب على حساب الفشل الأمريكي، واستطاعت أن تكون بشكل أو آخر لاعباً اقليمياً يواجه الهيمنة الامريكية في المنطقة، مما أثار قلق واشنطن ودفعها إلى تعزيز تعاونها مع إسرائيل في محاولة يائسة لاستعادة نفوذها في المنطقة.
الفشل الأمريكي في فرض هيمنته أدى إلى تنسيق مشترك مع تل أبيب لمواجهة القوى الإقليمية الصاعدة؛ وكانت أولى خطوات هذا التنسيق العودة لسياسة الاغتيالات والتصفيات التي تمارسها ضد كل من يحاول أن ينتفض على الاسرائيلي أو الامريكي في المنطقة أو ينادي باسم تحرير فلسطين أو الاراضي المحتلة من قبل اسرائيل، سواء بتصفية القيادات الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية، وغيرهم ممن يقف ضد سياسات اسرائيل، حيث بلغت ذروة الاغتيالات الاسرائيلية الامريكية باغتيال القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في بغداد وصولاً إلى القيادي في حزب الله فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية؛ غير أن هذه الخطوات لم تغيّر شيئاً في المعادلة السياسية والعسكرية سواء داخل إيران أو العراق أو لبنان وحتى على الأراضي الفلسطينية.
سياسة الاغتيالات التي تتبناها اسرائيل ليست جديدة، فقد لجأ إليها بشكل واسع عقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وتوقفت مؤقتاً بعد اتفاق أوسلو مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات؛ إلا أن جهاز الموساد الإسرائيلي استأنف هذه العمليات باغتيال شخصيات فلسطينية في الداخل والخارج على فترات متقطعة، في محاولة للقضاء على أي صوت فلسطيني يدعو للسلام أو المفاوضات.
فيما يتعلق برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، فبحسب محللين فإن اغتياله لم يكن جهداً إسرائيلياً منفرداً، بل جاء بدعم كامل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي عملت على تزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية وصور الأقمار الصناعية حول تحركات قادة الفصائل المسلحة في المنطقة؛ وتشير التقديرات إلى أن عملية اغتيال هنية تمت بتنسيق وتشاور كامل بين واشنطن وتل أبيب، في محاولة لإنقاذ سمعة إسرائيل التي تضررت بشدة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، والتي أظهرت الفشل الكامل للمؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
لابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحاول تحسين صورتها في المنطقة، وذلك عبر التأكيد على تمسكها بالشراكة مع دول الشرق الأوسط، لكن هذه السياسة الخادعة باتت مكشوفة للجميع؛ فالهدف الحقيقي لواشنطن هو تقديم كافة سبل الدعم لإسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار وسلام الدول العربية، حيث لن تقبل واشنطن بسلام واستقرار حقيقيين في المنطقة إلا بعد تطبيع إسرائيل لعلاقاتها مع دولها.
خلاصة القول، فإن ما يحدث في الشرق الأوسط يتطلب تحركاً عربياً ودولياً عاجلاً لتنظيم الصفوف ووحدة الكلام، وعليه أيضاً وضع استراتيجية موحدة لمواجهة المشاريع التخريبية للولايات المتحدة ولجم اسرائيل، وذلك عبر الضغط على القوى الدولية لملاحقة إسرائيل المتطرفة وفرض عزلة إقليمية ودولية عليها، والعودة لسياسة المقاطعة الاقتصادية لكافة المنتجات الإسرائيلية، حتى تتوقف عن تصعيدها العسكري واغتيالاتها المستمرة ضد القيادات الفلسطينية والعربية؛ فالهدف الاساسي والأسمى يجب أن يكون هو تحقيق سلام واستقرار حقيقيين، بعيداً عن أي تدخلات خارجية.