خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
تحاول إسرائيل إثبات أنها لا تزال تملك قوة الردع في الإقليم.. وضمن هذا الهدف تندرج عمليتي اغتيال السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، وبالأخص اسماعيل هنية في طهران.
.. ومن جهتها واشنطن – إدارة بايدن منخرطة ليس فقط قي مشروع إسرائيل للقضاء على حماس – بغض النظر عن تباينهما حول الأسلوب -؛ بل أيضاً في مشروع مساعدة إسرائيل على إعادة تثبيت صورة الردع الخاصة بها في الإقليم..
.. وعليه فإن جهود إدارة بايدن الدبلوماسية الجارية حالياً عبر غير قناة؛ هدفها الأساسي التوصل إلى ثني إيران عن الهجوم على إسرائيل؛ توصلاً لإظهار أن طهران لا يمكنها لغير سبب، رد الصاع صاعين لإسرائيل؛ وهذا التوجه لواشنطن له تفسير واحد وهو أنها متشاركة مع نتنياهو في محاولة تلميع صورة الردع الإسرائيلي في الإقليم، بعد التشوهات العميقة التي طرأت على هذه الصورة.
هناك فكرة أو مقولة قائمة في إسرائيل منذ ابتداع وجودها؛ وهذه المقولة وضعها جبوتنسكي عام ١٩١٣ وأكد عليها بن غوريون في خمسينات القرن الماضي؛ وسار عليها مناحيم بيغن بعد انقلابه الأبيض عام ١٩٧٧؛ ولا تزال هذه المقولة سارية المفعول حتى الآن حيث يتبناها نتنياهو؛ وتقول هذه المقولة أنه مطلوب بكل الأوقات أن تمتلك إسرائيل تجاه كل دول الإقليم وليس فقط تجاه الفلسطينيين والعرب، ثلاثة أسلحة استراتيجية هي: ١- “قوة الحسم” ضد العدو ودول الإقليم؛ ٢- “قدرات الاستعلام” (أي المعرفة المسبقة بنوايا العدو وهذه الدول)؛ ٣- “قوة الردع” تجاه “العدو” وأي دولة في إقليمها. وما حصل هو أنه في يوم ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ ثبت لإسرائيل أنها لا تملك قوة الحسم ولا قدرات الاستعلام ولا هيبة الردع داخل حدودها وحتى داخل الغلاف اللصيق بحدودها. ثم مع استمرار العجز عن تحقيق أهداف الحرب المعلنة في غزة بدأت إسرائيل تعاني من تآكل مقولتها عن قدرتها على الردع سواء في الداخل وفي الإقليم.. وتجد إسرائيل اليوم نفسها أمام مهمة صعبة ولكنها ضرورية، وهي استعادة مقولتها عن الردع عبر إعادة بناء قدراتها على ثلاث جبهات: الحسم والإستعلام والردع داخل فلسطين التاريخية وفي كل المنطقة.
وتتوسل إدارة بايدن تجريب واحد من ثلاثة أساليب لمنع إيران من كسر صورة الردع الإسرائيلي في الإقليم:
الأسلوب الأول إقناع إيران بالتخلي عن كل فكرة الرد العسكري على عملية اغتيال هنية؛ وذلك مقابل تقديمات أميركية مالية وسياسية لطهران.
والواقع أن زيارة الوفد الأمني الأميركي التي تم الكشف عنها أمس لطهران تندرج ضمن مساعي إقناع بإلغاء ردها على إسرائيل. وفي التفاصيل حاولت هذه الزيارة أن تقنع طهران بثلاث نقاط:
الأولى تحذير وتهديد إيران بضرورة تجنب الوقوع في فخ نشوب حرب كبرى يخطط لها نتنياهو بدعم من اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة!!
ومن خلال تصريحات مسؤولين إيرانيين كبار في خلال الساعات الـ٧٢ الأخيرة يظهر أن الرد الإيراني على هذه النقطة الأولى كان واضحاً، ومفاده: “سنرد حتى لو أدى ذلك إلى إشعال الحرب التي تريدها إسرائيل” حسب كلام الوفد الأمني الأميركي الذي زار طهران أمس..
النقطة الثانية تعود خطوة إلى الوراء؛ بمعنى أنه لو فشلت أميركا بإقناع إيران بالعدول كلياً عن الضربة؛ فهي ستعمد للاكتفاء بالحصول من إيران على التعهد التالي: توافق طهران على تجزئة ضربات محورها؛ بحيث لا يقوم كل حلفائها بالرد على إسرائيل في وقت واحد ومن غير دولة؛ و باستخدام أسلحة جديدة ليس لإسرائيل معرفة مسبقة بها.
وفي حال قبلت إيران بمبدأ تجزئة رد أطراف المحور؛ فإن واشنطن حينها ستدخل بنقاش النقطة الثالثة مع إيران؛ وقوامها إقناع طهران بتنفيذ عملية “رد” على إسرائيل وليس عملية “قمع” لإسرائيل؛ بمعنى عملية محسوبة النتائج وليس عملية مفتوحة الأهداف وفيها روحية تأديبية وكسر قواعد الاشتباك لمصلحة جعل إسرائيل تقف عاجزة عن الرد دفاعياً على الرد الإيراني وعاجزة عن تحقيق هيبة الردع الإقليمي الهجومي المتمثل عن الرد على الرد الإيراني وردود المحور.