خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
على نحو واسع لم يكن متوقعاً أن تنتخب حماس يحيى السنوار رئيساً لها مكان اسماعيل هنية. لم يكن انتخابه مفاجأة؛ ذلك أن حماس تمر في ظرف يفرض عليها أن تتواجد داخل لحظة إنتاج مفاجآت عسكرية وسياسية وأيضاً تنظيمية.. لكن انتخابه أثار أسئلة أكثر عن التوقعات القادمة بدل أن يثير أجوبة عنها.
مِن هذه الأسئلة لماذا السنوار رئيساً في هذا التوقيت؟؟.
ما هي رسالة حماس من وراء انتخابه رئيساً؟؟.
هل يعني اختيار السنوار لرئاسة حماس نوعاً من إنهاء خدمات “قيادة حماس الخارج”، أي “حماس الذراع السياسي الخارجي”، ولكل جيل خالد مشعل وأترابه الموجودين خارج غزة؟؟..
هل صحيح أن الإتيان بخيار السنوار كان هدفه حل الخلاف بين اتجاهين إثنين في حماس، أحدهما معتدل ويريد خالد مشعل والثاني راديكالي ويريد خليل حيه؟؟.. ولكن هل يقبل السنوار الذي له مكانة “الأمير” و”الزعيم” داخل حماس، أن يكون “مرشح تسوية” أو مجرد “رئيس حل مشكلة داخلية”؟؟.
الواقع أن انتخاب السنوار بمثلما أنه طرح حبلاً طويلاً من الأسئلة التي لا تنتهي والتي ليس عليها أجوبة شافية؛ فإن انتخابه طرح بالمقابل عدداً قليلاً من الأجوبة، ولكنها شافية ولا لبس فيها:
من هذه الأجوبة هو أن السنوار وجماعته يعودون للسير بالشعار الذي كان يرفعه ياسر عرفات خلال فترة ستينات وبدايات سبيعينات القرن الماضي بوجه القوى الفلسطينية والخارجية التي كانت تريد تقليص نفوذه على زعامة فتح؛ حيث كان عرفات يواجه محاولاتهم لإضعافه ولإضعاف خطه داخل فتح بالقول “القيادة في الميدان”.
لقد تعلم عرفات معادلة مهمة منذ ذاك الوقت وهي الهروب من “فتح” (الجسم السياسي) إلى “العاصفة” (الجسم العسكري لفتح) عندما يطارده خصومه سياسياً وأمنياً. واليوم يمارس السنوار استراتيجية التخندق في “نفق كتائب القسام” ليجبر الآخرين ليس على الاعتراف بخطه داخل حماس بل بتصدرها.
رغم أن السنوار من حماس؛ أي من التنظيم المغاير والمنافس لفتح ولمعظم أدبياتها تقريباً؛ إلا أنه (السنوار) يستعير في العام ٢٠٢٤ إحدى أهم لحظات عرفات في ستينات وبدايات سبعينات القرن الماضي التي كان يسعى عرفات خلالها للتأكيد على استمرار حضوره كقائد وحيد لحركة فتح زعيمة الثورة الفلسطينية، وذلك من خلال رفعه شعاره الذي يمثل قوته داخل فتح بكل أجنحتها وكل التداخلات العربية والإسلامية فيها: “القيادة في الميدان”.
.. كان حينها عرفات في الميدان؛ في جنوب لبنان، وراء خط الليطاني جنوباً؛ وفي غور الأردن؛ تماماً مثلما ان السنوار حالياً في الميدان تحت سطح الأرض في خانيونس ورفح، الخ..
خلال النصف الثاني من ستينات القرن الماضي غضبت دمشق على ياسر عرفات نتيجة حادثة حصلت في شقة كان يستأجرها في حي المزرعة في دمشق أدت لمقتل عميد في الجيش السوري من أصل فلسطيني. ورغم أن الحكومة السورية آنذاك ساعدت في حل هذه المسألة، إلا أنها طلبت لأسباب خاصة بذوي القتيل أن تأخذ فتح قراراً بتجميد عضوية عرفات في فتح لعدة أسابيع؛ رفض حينها عرفات هذا القرار وأخذ معه مجموعة من الفدائيين وذهب إلى منطقة بلدة العديسة في جنوب لبنان ليستطلع مستوطنة إسرائيلية قريبة من تلك المنطقة.. وترك عرفات قبيل ذهابه للميدان في الجنوب رسالة إلى الفتحاويين الذين أبلغوه قرار تجميده مؤقتاً قال لهم فيها التالي: القيادة في الميدان وليس على الورق.
والواقع أن السنوار في لحظة أن إسرائيل تطالبه إما بتسليم نفسه أو بتسليم سلاحه؛ وفي لحظته الراهنة حيث الكثيرون يطالبونه بتجميد دوره القيادي في حماس ولو موقتاً؛ يشبه ياسر عرفات حينما كان مطلوباً دمه أو سلاحه؛ وحينما كان معروضاً عليه تجميد عضويته في فتح ولو مؤقتاً.. وكلاهما السنوار وعرفات؛ كل في مرحلته وضمن ظرفه؛ وجد أن القرار الصائب هو إبلاغ العالم بأن “القيادة في الميدان وليست خارجه؛ وليست على ورق التسويات لا الداخلية ولا الخارجية”؛ فقيادة الميدان هي “أول مرجعية سياسية” و”أول مرجعية عسكرية”؛ وبالتالي فإن أي تفكير بالتعامل مع فتح سابقاً ومع حماس راهناً بأنهما جسمان إثنان، أحدهما سياسي مقبول والثاني عسكري مرفوض أو متخفظ عليه، هو تفكير مرفوض: وكل الرسالة تفيد بأن “القيادة تقاتل في الميدان وتفاوض في الميدان!!”.