الهديل

خاص الهديل: هذه هي حسابات طهران بخصوص كيفية تعاملها مع قرار ردها على اغتيال هنية ونوعيته وتوقيته!؟

خاص الهديل..

بقلم: ناصر شرارة

لماذا تأخر الرد الايراني؟؟.

هذا السؤال يشغل العالم والمنطقة؛ علماً أن هناك شك بأن يكون طرح السؤال صحيحاً؛ بمعنى أن خبراء يرون أن الرد لم يتأخر بل هو في طريقه للتحقق.

وعليه يصبح السؤال الأصح هو هل يتأخر الرد الإيراني لأسباب سياسية استراتيجية مستجدة أو هي موجودة بالأصل؛ أو نتيجة صفقة تجعل إيران تحصل مقابل إلغاء ردها على مكاسب تفوق قيامها بالرد؟؟.

 

حتى اللحظة يتبين أن هناك عدة أسباب استراتيجية “قد” تدفع إيران للتمهل في القيام بالرد؛ وبرهان على تغيير أعمق “قد” تجعل إيران تقرر تغيير الاتجاه لمصلحة تنفيذ رد مدروس ومخفف أو حتى “غض النظر عن مجمل قيامها بالرد”!!

 

السبب الأول هو استجابة طهران لنصيحة/ ورغبة كل من الصين وروسيا بتجاوز “كمين التصعيد” في المنطقة الذي سيؤدي إلى إمكانية إلحاق ضرر بمنشآت إيران النفطية التي تعتمد عليها بكين للحصول على طاقة زهيدة الثمن.

هناك مصلحة استراتيجية مشتركة صينية إيرانية بعدم تعريض منشآت إيران النفطية لاحتمالات تعرضها لضربة استراتيجية إسرائيلية أو حتى إسرائيلية أميركية. تصدر طهران ٩٠ بالمئة من نفطها إلى الصين؛ والأخيرة تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني..

.. بموازاة ذلك، ولسبب منفصل، لا يوجد أيضاً لروسيا مصلحة بأن تذهب إيران لتصعيد واسع النطاق في الشرق الأوسط. موسكو تعتمد على إيران كمصدر حليف لها يزودها بالمسيرات التي تعتبر إحدى الأسلحة المهمة والوازنة في الحرب الأوكرانية. ويهم موسكو بقاء المصانع الإيرانية المنتجة للمسيرات (وبالأخص مصنع مسيرة شاهد الكائن قرب اصفهان) سليمة وبمنأى عن تعرضها – شبه الحتمي – لاستهداف إسرائيلي أو أميركي في حال حصل تصعيد عسكري كبير في المنطقة.

لقد أرسل بوتين مبعوثه الموثوق إلى طهران لينصح القيادة الإيرانية بتجنب التصعيد والحرب. وهناك داخل تفكير بوتين قضية أبعد من دور المسيرات الإيرانية في دعم حربه في أوكرانيا؛ فبوتين يصطف في الشرق الأوسط وفي سورية مع المحور الذي يوجد لإيران فيه موقع كبير؛ وعليه فإن توجيه حرب أميركية إسرائيلية تتسم بالتدمير ضد إيران في المنطقة؛ لن يصيب بالضرر والضعف فقط مكانة طهران في المنطقة؛ بل سيضر أيضاً بكل المتموضعين الى جانبها، بغض النظر عن نسبة هذا التموضع.

خلاصة القول إن المشهد الجيوسياسي – الاقتصادي وحتى العسكري بعد تعاظم إرسال الأعتدة الأميركية المتطورة للمنطقة؛ يوحي لكل من الصين وإيران وروسيا باستنتاج استراتيجي مشترك، وهو أن التصعيد العسكري في التوقيت الراهن لا يخدم مصالحهم سواء مصالحهم الفردية أو المجتمعة.

السبب الأساسي الثاني الذي يؤخر الرد الإيراني أو يجعله يتجه لأن يكون مدروساً أكثر أو حتى لإلغائه؛ هو أخذ عملية عدم وصول خالد مشعل لخلافة اسماعيل هنية إلى تأويل سياسي آخر، يقول إن تعيين يحيى السنوار بدل مشعل لرئاسة حماس؛ هو بذاته رداً إيرانياً على اغتيال هنية داخل طهران، كون السنوار هو حليف طهران الأساسي داخل حماس. ومن الممكن أن يتم استكمال هذا التأويل من خلال طرح سيناريو غربي يوجد لكل من كامالا هاريس وترامب مصلحة فيه؛ ومفاده أنه يمكن تطوير بداية حل كبير مع إيران قوامه التالي؛ ١- عدم رد أو رد إيراني مخفف يسهم بتعزيز الأمن في المنطقة؛ ٢- صفقة تبادل أسرى بقيادة السنوار يؤدي إلى وقف النار في غزة وبدء مسار تسوية في الشمال (جنوب لبنان)؛ ٣- خلاصة هذا المسار ستؤدي إلى نقطة إيجابية في رصيد بايدن يتم تجييرها لهاريس؛ وسيعتبره ترامب غير سيء له، لأن الأخير يهمه كما قال لنتنياهو أن لا يتم استقبال دخوله للبيت الأبيض بحرب لا تزال مستمرة في غزة والشرق الأوسط؛ وبالأساس فإن هذا الحل لن يرضي فقط واشنطن التي ستثبت أنها نجحت في تطبيق استراتيجية عدم توسع الحرب؛ بل سيرضي بالأساس البنتاغون الذي لديه على الدوام هاجس أن يتسلل الصيني والروسي عسكرياً وسياسياً أكثر إلى المنطقة، وذلك من ثقوب النتائج التي تسفر عنها استمرار الحرب في غزة.. 

رغم وجود مؤشرات ودلائل على أن إيران قد تتجه لتغليب فوائد عدم الرد أو تخفيف الرد على سلبيات الرد القوي الماثلة للعيان؛ إلا أنه يبقى في الكفة المقابلة موقفاً له ثقل لا يضاهي بأية أثقال أخرى؛ وهو موقف المرشد الأعلى السيد خامنئي الذي قال منذ أول يوم لحدث اغتيال هنية: “الرد وأجب”. والواقع ان صياغة موقف المرشد بهذه الطريقة البيانية؛ يجعل موقفه من الرد له شكل الفتوى.. عبارة “واجب” كمل نطقها السيد خامنئي تقترب من جعل “الرد” يقارب أنه أصبح له منزلة ومعنى التعبير الإسلامي الديني: “فرض عين” (من الواجبات الشرعية)؛ وهذا يعنى أن إيران في رقبتها دين الفتوى بالرد الذي لا يمكن عدم تسديده..

Exit mobile version