الهديل

خاص الهديل: دويلة بن غفير بموازاة دولة الاحتلال: انتخابات إسرائيلية بعد الأميركية

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

تحتاج المنطقة إلى ترتيب أوراقها، وتحديد علامات تجنب الانزلاق إلى حرب شاملة فوق طريق الغموض الذي تسير عليه الآن.

من واشنطن وباريس وبريطانيا، مروراً بنفق ما يوجد بداخله السنوار في غزة، وصولاً إلى مبنى حكومة التناقضات غير القابلة حتى الآن للانفراط في تل أبيب؛ يسود نوع من “ضياع الاتجاه” أو ما يمكن ترجمته سياسياً بعبارة “فقدان المبادرة للانتقال إلى اليوم التالي” وذلك على كل المستويات، وليس فقط على مستوى كيفية إنشاء تسوية في غزة أو ترتيبات أمنية على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، أو إبعاد أزمة اليمن عن التجارة العالمية في البحر الأحمر، الخ..

غداً يوم الخميس موعد الاجتماع الذي دعا إليه بايدن ومعه الدوحة والقاهرة. حتى الآن ليس معروفاً مكان الاجتماع؛ علماً أنه ليس هناك سبباً مفهوماً يبرر إبداء كل هذه الحيرة تجاه تحديد المكان. وبالنهاية سوف يتحتم أن يحدد البيت الأبيض في اللحظات الأخيرة مكان الاجتماع.

.. بعد ذلك ستبرز مشكلة لها علاقة أيضاً بالشكل؛ ولكنها بالعمق تؤشر لنوايا نتنياهو حول صدقية توجهه لإبرام صفقة. سيقول اليوم نتنياهو لفريق التفاوض الإسرائيلي ما هي صلاحياته خلال التفاوض يوم غد.. في المرات الماضية كانت حدود صلاحيات الوفد الإسرائيلي المفاوض هي الاستماع والإنصات فقط. حالياً قال نتنياهو حتى قبل أن يلتقي فريقه للتفاوض لتزويده بالتعليمات، أنه لا يثق به!!. والسؤال الطبيعي هنا هو أنه إذا كان لا يثق بفريقه المفاوض؛ لماذا يرسله؟!

غير أن نتنياهو ليس فقط لا يثق بفريق التفاوض الإسرائيلي على صفقة تبادل الأسرى ووقف حرب غزة؛ بل هو أيضاً لا يثق بوزير دفاعه غالانت. أمس اتهمه تقريباً بالخيانة، وذلك رداً على اتهام غالانت له بأنه المسؤول عن عرقلة إنجاز الصفقة.

وفي خضم اشتباكات نتنياهو مع فريقه المفاوض حول الصفقة، ومع غالانت؛ وقعت أمس حرباً كلامية بينه وبين بن غفير. الأخير تحدى التوجيه الرسمي الإسرائيلي ودنس المسجد الأقصى مع مجموعات من المستوطنين. نتنياهو وصف عمل بن غفير بأنه تصرف فردي ولا يعبر عن الموقف الإسرائيلي الرسمي؛ ورد عليه الأخير بأنه سينسحب من الحكومة إذا ابرمت الأخيرة صفقة وقف الحرب في غزة. 

الصورة العامة تظهر أن الجميع مشتبكين مع نتنياهو؛ وأن نتنياهو بدوره مشتبك مع الجميع؛ ولكن واقع الحال هو ليس بهذه الدقة؛ حيث التوصيف الأدق هو أن الجميع متقاطع في نقاط محددة مع نتنياهو؛ فيما الأخير بدوره متقاطع مع الجميع على نقاط محددة.

ويصح على حكومة نتنياهو وصفها بأنها حكومة التقاطعات على النقاط السلبية وليس الإيحابية: تقاطعه مع بن غفير هو على الهروب من المحاسبة عن التقصير في مواجهة يوم ٧ أكتوبر. يدرك بن غفير أنه مع توقف الحرب ستبدأ عملية المحاسبة بالدوران؛ وهذه العملية لن تشمل نتنياهو فقط بل ستطاله هو أيضاً. ربما يكون نتنياهو الأكثر عرضة للإتهام كون لديه ملفات قضائية أخرى تتعلق بالفساد؛ ولكن بن غفير وصحبه في أقصى اليمين معرضون للمحاسبة على أساس أنهم ينشئون إدارات ووزارات وجيوش موازية لما هو موجود في الدولة. مثلاً لا أحد يعرف كيف سلح بن غفير وسيموتريتش مستوطني الضفة الغربية الذين أصبحوا ميليشيا تعد بالآلاف.

.. ولا أحد في إسرائيل يعرف من أين يمول سموتريتش عمليات بناء المستوطنات من خارج قرار الحكومة. التهمة الجاهزة – فيما لو خرج الليكود واليمين الديني من الحكم – وهي تجاوز الصلاحيات القانونية وتعريض الأمن العام للخطر، الخ..

السؤال هو هل سيذهب بن غفير وسموتريتش طواعية إلى المحكمة أم أنه سيعتبر أن المحكمة لا تملك صلاحية مقاضاته؛ لأنه يمثل في كل ما يفعله إرادة التوراة والله.

حالياً يقال في نطاق واسع في إسرائيل أن بن غفير وسموتريتش يخطفان نتنياهو، والأخير يخف إسرائيل(!!)؛ وغداً حينما تسقط حكومة أقصى اليمين فإن نتنياهو سيتلطى وراء بن غفير وجماعته الذين يتوقع أن يرفضوا دعوى القضاء ضدهم مدعومين من ميليشيا المستوطنين. 

لم يعد أمراً مبالغاً فيه القول إنه خلال الأعوام القليلة الماضية، وبخاصة خلال الأشهر العشرة الأخيرة، نشأ في إسرائيل ثلاثة جيوش ليس بينها أي رابط: الأول- ما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي. الثاني- ما يطلق عليه تسمية ميليشيا بن غفير وجماعته؛ وهؤلاء على تحالف حالياً مع قوة الشرطة الإسرائيلية المنقادة من بن غفير، كونه وزير الأمن الداخلي.. أما الجيش الثالث فهو يتكون من معارضي الدخول في “جيش الدفاع الإسرائيلي”؛ أي الرافضين للقتال بين صفوفه؛ وهؤلاء يمكن تسميتهم بأنهم “جيش سلبي”؛ أي جيش الذين لا يريدون الدخول في الجيش؛ والمقصود بهم الحريديم بالأخص.

المشكلة التي تتبلور وتتكور ككرة الثلج شيئاً فشيئاً داخل إسرائيل، تتمثل بأنه بينما نتنياهو يراكم بالشكل قوة مركزية حديدية لصالح شخصه على قمة الدولة العبرية؛ فإنه على مستوى قاعدتها، تشهد الدولة عمليات تآكل لصالح بروز ظواهر لا دولتيه.. وبمقابل هذا الواقع بدأ يتبلور اتجاه عريض في إسرائيل لقطع هذا المسار؛ وذلك من خلال الحديث عن ضرورة إجراء انتخابات مبكرة لإعادة إنتاج سلطة سياسية قادرة على تصحيح مسار الدولتة وتعميق القانون والمؤسسات.

لأول مرة منذ ٧ أكتوبر العام الماضي يعود الحديث عن ثلاثة أمور كانت حتى قبل أيام مستبعدة:

الأمر الأول تبكير الانتخابات وعدم انتظار ٢٠٢٧ موعد انتخابات الكنيست، لتغيير حكومة نتنياهو.

ثانياً- هناك موعد لعقد الانتخابات تفضله قوى اليمين السياسي والديني؛ وهو أول العام المقبل؛ أي تقريباً بالتزامن مع الإنتخابات الأميركية؛ والسبب هذه القوى لم تعد متأكدة من فوز حليفها ترامب.

الأمر الثالث- الموعد الثاني تفضله القوى المعارضة لنتتياهو؛ وهو في ربيع العام القادم؛ أي بعد أن تكون الإدارة الجديدة المرحج أن تقودها كامالا هاريس في البيت الأبيض قد استقرت.

Exit mobile version