خاص الهديل….
ناصر شراره…
بعد مرور ٢٤ ساعة على يوم ١٥ آب ٢٠٢٤، فإن السؤال الأساس هو ما هي حصيلة هذا اليوم الذي حبس العالم أنفاسه بانتظاره منذ أعلن الرئيس بايدن قبل نحو أسبوعين البيان الثلاثي الأميركي المصري القطري عن الدعوة لاجتماع الدوحة من أجل استئناف التفاوض غير المباشر بين حماس وإسرائيل؛ مع ربط هذا الاجتماع، وإن بشكل غير مباشر، ولكن بشكل جوهري، بنقطة أساسية تفيد بأن نجاح اجتماع الدوحة لن يؤدي فقط إلى وقف الحرب في غزة، بل سيؤدي بالأساس إلى قطع الطريق على نشوب حرب كبرى تبدو حتمية في الشرق الأوسط.
لقد وصف الإعلام العالمي اجتماع الدوحة بأنه الفرصة الأخيرة لوقف مأساة غزة، ولوقف تداعياتها التي باتت تهدد بحرب إيرانية إسرائيلية ينتج عنها تورط أميركا بحرب إقليمية في الشرق الاوسط.. وقيل أيضاً عن اجتماع الدوحة الذي بدأ أمس، أن نتائجه ستؤثر على نتائج الإنتخابات الأميركية، الخ..
إن كل ما تقدم يقول أمراً واحداً وأساسياً، وهو أن حرب غزة خرجت من نطاقها المحدود، لتصبح “حرب مستقبل المنطقة” من جهة ولتصبح من جهة ثانية عبارة عن “قاطرة حروب” ذات أبعاد دولية. فغزة باتت ناخب له وزنه في الإنتخابات الأميركية؛ وإذا كان صوت ولاية ميشيغن سيكون هو المرجح لفوز كامالا هاريس أو دونالد ترامب؛ فإن هذا يعني ان الصوت العربي والمسلم والأميركي من أصول شرق أوسطية، المقيم بكثافة في ميشيغن والمرتبط بقوة بدعم صمود غزة؛ هو من سيحدد بنسبة ليست قليلة، إسم الرئيس الأميركي المقبل.
.. وعلى هذا بات يمكن القول – وإن بحذر ليس قليل – أن أموال اليهود الأميركان والايباك الوفيرة المعبرة عن الصوت الإسرائيلي، من جهة؛ وصوت العرب والمسلمين الذين هم صوت غزة من جهة ثانية، هما من يسهمان بنسبة عالية – ولكن كل باتجاه – في تحديد إسم رئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد.
ويمكن جعل هذه الصورة المستجدة والذاهبة للتبلور أكثر فأكثر، أقرب إلى استيعابها من خلال القول إن الصوت العربي والمسلم الذي هو في هذه اللحظة صوت غزة وفلسطين؛ بات يمثل ورقة الفصل فوق النقطة الأهم، أو فوق ما يسمى بنقطة الحسم داخل الخارطة الانتخابية الأميركية الداخلية؛ وهي النقطة التي يطلق عليها تسمية “الولايات المتأرجحة” والتي من أبرزها ولاية ميشيغن المتسمة بميزتين إثنتين:
الميزة الأولى أن فارق أصواتها لصالح بايدن في انتخابات ٢٠٢٠ هو الذي قاده للربح على ترامب؛ كما انها معاقبتها – أي ميشيغن- لبايدن هذا العام بالامتناع عن التصويت له، هي التي قادت لبدء مسار إبعاده عن المنافسة لصالح هاريس.. وكل هذه العوامل جعلت ميشيغن تحتل منزلة انها “عاصمة الصوت المتأرجح” في الانتخابات الأميركية الماضية والحالية.
الميزة الثانية – ان الثقل الانتخابي في ميشيغن معقود للصوت العربي والمسلم وآخرين لهم ذات مواصفاتهم؛ وكل هذه الشرائح تلتقي عند موقف دعم القضية الفلسطينية.
والواقع أن دور العرب الأميركان كعامل حسم في معادلة الصوت المتأرجح الذي بالعادة هو من يقرر إسم الرئيس الفائز؛ يقود لاستنتاج هام واستراتيجي مفاده ان رحلة التأثير العربي المقيم داخل أميركا بدأ يأخذ طريقه لإثبات حضوره، وذلك على نحو يعوض النقص التاريخي في قدرة التأثير العربي الرسمي من خارج أميركا على داخل أميركا.
أضف لذلك أن ثقل العرب الأميركان في معادلة الصوت المتأرجح سيبني لأول مرة خط توازن بمقابل ثقل الايباك التاريخي داخل معادلة الصوت الأميركي التقليدي.
يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تتغير، وذلك باتجاه إنتاج معان جديدة لمجتمعاتها المتعددة، حيث أن الاختلاف في أميركا لم يعد فقط على صلة باختلاف الأصول العرقية والقومية والدينية، بل بالأساس على صلة بتعدد الرؤى لمستقبل أميركا تجاه قضاياها الداخلية الكبرى أو تجاه دورها نحو قضايا العالم الكبرى!!.
قبل سنوات كتب المؤرخ أحمد عبد اللطيف بيضون كتابه القيم بعنوان “بنت جبيل – ميشيغن”؛ وشرح فيه كيف نزحت المدينة الجنوبية (بنت جبيل) إلى الولايات المتحدة الأميركية هرباً من اعتداءات إسرائيل المتكررة عليها.. واليوم صار واضحاً أن كتاب المؤرخ بيضون “بنت جبيل – ميشيغن” يحتاج لتتمة ولكن هذه المرة، بعنوان “ميشيغن في بنت جبيل”!!.