خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
انتهى اجتماع الدوحة على نتيجة يمكن ترجمة مضمونها بالسياسي على النحو التالي: حقق اجتماع اليومين في الدوحة تقدماً، ولكنه غير كاف؛ وهناك جولة ثانية ستعقد في الأسبوع القادم في القاهرة؛ وأهمية هذه الجولة الثانية ليس أنها فقط سوف تعمل على ردم الفجوات بين موقفي حماس وإسرائيل؛ بل بأن رعاة المحادثات؛ أي الأميركي بخاصة ومعه المصري والقطري؛ لن يسمحوا لكلتي الطرفين بخلق أية أعذار لتبرير استمرار حالة عدم التوصل لاتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى.
وهذا المعنى الذي ورد كنقطة أساسية في البيان الذي لخص مضمون اجتماع اليومين في الدوحة، يعني أن إدارة بايدن توجه “الإنذار الأخير” للجهة التي تريد تعطيل الحل في اجتماع الاسبوع القادم؛ وهذه الجهة هنا هي إسرائيل، بنسبة ٩٠ بالمئة على الأقل. وهذا “الإنذار الأميركي”- لو صدقنا البيان – هو الذي سيكون في اجتماع القاهرة الأسبوع المقبل محل اختبار وامتحان، وليس موقف إسرائيل المعروف مسبقاً انه مناور ويستمر بافتعال العثرات بوجه وقف النار.
السؤال الأساسي الذي ستجيب عنه تطورات اجتماع القاهرة الأسبوع المقبل هو هل فعلاً سيفعلها بايدن هذه المرة، بحيث يضغط على نتنياهو بالنسبة الكافية ما يجعله يوافق على الصفقة؟؟.
.. وتتمة هذا السؤال تقول انه إذا كان بايدن حزم أمره ويريد لألف سبب هذه المرة الانتقال من مدارة نتنياهو إلى الضغط بجدية على نتنياهو؛ فلماذا لم يفعل ذلك خلال اجتماع الدوحة؛ ذلك أنه لن يتغير شيئاً في الواقع نتيجة قيامه بتأجيل قراره بالحسم مع نتنياهو مجرد ثلاثة أو أربعة أيام؟؟.
والواقع أن أصحاب نظرية منح نتنياهو فرصة عدة أيام حتى يتكيف مع الموقف الأميركي الجديد، والجدي هذه المرة، تجاه “وقف النار الآن”؛ يبررون نظريتهم هذه بالتالي: بعد اجتماع القاهرة لم يعد التفاوض الأساسي في هذه اللحظات يدور بين إسرائيل وحماس ولا بين نتنياهو وبايدن، بل أصبح فعلياً يدور بين نتنياهو وبن غفير؛ فالأول يريد إقناع شريكه في حكومة أقصى اليمين بالموافقة على الصفقة وعدم الانسحاب من الحكومة وفرطها؛ فيما بن غفير متشدد بموقفه(!!)؛ وتجري حالياً وفق هذه النظرية عملية تفاوض بين الرجلين وسوف تستمر لغاية بدء اجتماع القاهرة؛ والمأمول الآن هو أن ينجح نتنياهو بإقناع بن غفير، أو أن يذهب نتنياهو إلى الصفقة من دون بن غفير؛ على أن يتم تعويض خروج بن غفير من الحكومة بقوى جديدة تدخل إليها.
هذه النظرية حول انتظار ما ستنتهي إليه مفاوضات بين غفير ونتنياهو لمعرفة مصير الصفقة، تنطوي على الكثير من عناصر عدم الإقناع، وذلك لعدة أسباب رئيسة فضلاً عن عشرات الأسباب الأخرى التي لا يتسع المجال لعرضها:
أول هذه الأسباب يتمثل ببروز شك كبير بأن بن غفير يقود نتنياهو حسبما يوحي بعض الإعلام؛ فكيف يمكن تصديق أن نتنياهو الذي يقارع الرؤساء الأميركيين أولياء نعمة إسرائيل، يقارعه بالمقابل بن غفير الذي يعتبر نتنياهو ولي نعمته. أغلب الظن أن هناك لعبة توزيع أدوار بين اليمين السياسي الممثل بنتنياهو واليمين الديني الممثل ببن غفير؛ هدفه إبقاء حرب الإبادة في غزة مستمرة والاستمرار بشن حرب تقويض الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية.
ثانياً- حقيقة الأمر هو أن عدم موافقة نتنياهو على الصفقة لا ينم عن “رفض سياسي” ناتج عن خشيته من خروج أطراف أقصى اليمين من حكومته؛ بل ينم عن رفض استراتيجي ناتج عن كون نتنياهو لديه أهداف بعيدة المدى يريد تحقيقها من وراء استمراره بالحرب على غزة.
عندما قام مناحيم بيغن بتطبيق اتفاق كامب ديفيد، وتفكيك المستوطنات في سيناء؛ لم يخش من أطراف يمنية كثيرة كانت ضد قراره، وحينها قامت واشنطن بدعم حكومته بعشرات النواب الإسرائيليين حتى لا يؤدي خروج شركائه الأكثر تطرفاً من حكومته إلى فرطها.
قصارى القول هنا أن نتنياهو يستطيع الموافقة على وقف النار في غزة من دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط حكومته؛ ذلك أن واشنطن لديها قدرة على تعويم حكومته في الكنيست كما فعلت سابقاً مع حكومة مناحيم بيغن؛ ولكن الحاصل هو أن نتنياهو يتحجج ببن غفير حتى يضع سقفاً للتنازلات المستعد لتقديمها ليس للغزاويين – فهو لا يريد تقديم شيء لهم – بل لإدارة بايدن..