خاص الهديل….
قهرمان مصطفى…
تبدو العاصمة المصرية القاهرة على موعد لعقد جولة جديدة من المفاوضات هي الثانية خلال أيام، للوصول إلى هدنة في حرب غزة؛ ورُبان سفينة المفاوضات دول لها وزنها الإقليمي في المنطقة – طبعاً كلٌ له غايته وحساباته – على أمل أن يوجهوا السفينة إلى بر السلام ويُنهوا بذلك حمام الدم الذي في يُسال في غزة؛ فاختيار القاهرة كمكان لهذه المباحثات يعكس دورها المحوري والمستمر في السعي لتحقيق الهدنة، خاصةً أن الإطار الأساسي للمفاوضات يستند إلى أفكار ومبادرات مصرية.
ومع ذلك، فإن تضارب حسابات بعض الأطراف المشاركة في هذه المباحثات قد يؤثر على نتائجها؛ فعلى سبيل المثال، ترتبط حسابات الولايات المتحدة بشكل كبير بظروف حملة الانتخابات الجارية، حيث تسعى إدارة جو بايدن إلى تحقيق نجاح دبلوماسي في الشرق الأوسط لتعزيز فرص نائبة الرئيس، كاميلا هاريس، في الانتخابات المقبلة، وضمان دعم الشباب والعرب الأمريكيين؛ كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي توسيع نطاق الحرب في غزة إلى تورط عسكري أمريكي، خاصةً إذا تصاعدت الهجمات الإيرانية أو تلك التي ينفذها وكلاؤها في المنطقة على إسرائيل.
لذا من الواضح رؤيتهُ أن المخاوف الأميركية ليس فقط دفعت بها إلى إرسال أساطيل وطائرات إلى المنطقة تحت شعار الدفاع عن إسرائيل؛ إنما هذا الحضور العسكري المكثف يعكس انعدام الثقة في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قد يدفع بها – الولايات المتحدة – نحو حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو أمر تسعى إدارة بايدن لتجنبه، لأنه سيقوض فرص الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة.
على ما يبدو أن هناك تفاهمات أميركية – إيرانية تشير إلى أن التوصل إلى هدنة في غزة قد يمنع رد فعل إيراني انتقامي على إسرائيل، وبالتالي يحول دون تورط الولايات المتحدة في حرب إقليمية؛ كما أن إيران لديها مصلحة في عدم توسيع نطاق الحرب والدخول فيها كطرف مباشر، إذ تهدف إلى الحفاظ على برنامجها النووي واستمرارية تطويره، وتخشى أن تؤثر الحرب على هذه الأهداف، لذا قد تقايض الهدنة بتهدئة إقليمية.
أما بالنسبة لحسابات نتنياهو، فهو يواجه ضغوطاً من الجنرالات وعائلات الرهائن للتوصل إلى هدنة، وفي الوقت نفسه يتعرض لضغوط من الأحزاب اليمنية المتطرفة في حكومته التي تهدد بالانسحاب وإسقاط الحكومة في حال التوصل إلى هدنة، مما قد يؤدي إلى بدء فترة محاسبة لنتنياهو، سواء بشأن مسؤوليته عن هجوم السابع من أكتوبر، أو القضايا المتعلقة بالفساد التي تلاحقه منذ فترة.
إضافة إلى ذلك، يلتزم نتنياهو بعقيدة سياسية ترفض أي حل سياسي يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، وهو يعلم أن توقف الحرب سيزيد من الضغوط الدولية لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي لا يرغب في إنهاء الحرب. كما أن شعبيته شهدت ارتفاعاً بعد عمليات الاغتيال الأخيرة ضد قادة من حماس وحزب الله، ويعتمد نتنياهو على استمرار الحرب لزيادة شعبيته، وينتظر اللحظة المناسبة لإعلان حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة يكسب من خلالها أربع سنوات أخرى في الحكم.
خلاصة القول حسابات هدنة غزة تُظهر أنها ليست مرتبطة فقط بصعوبة قضايا التفاوض ما بين أطراف الصراع – اسرائيل حماس – بل أيضاً بتعقيد وتضارب أهداف ونوايا الأطراف المختلفة المشاركة في هذه العملية.