خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
حينما شكل بنيامين نتنياهو ائتلافه الحكومي اليميني الديني والسياسي الحالي، تم إطلاق تسمية “حكومة الحسم” عليه..
.. وتعني هذه التسمية أمراً أساسياً وهو أن القوى التي تتكون منها هذه الحكومة، تؤمن بأن “الإستقلال الأول” لإسرائيل الذي حدث عام ١٩٤٨، لم يتم إنجازه على أكمل وجه؛ كونه لم يحسم على نحو كلي موضوع “الغلبة الديموغرافية” لصالح اليهود؛ ومع الوقت تعاظم ما تسميه “حكومة الحسم” في خطابها السياسي الداخلي “الخطر الديموغرافي للمواطنين العرب داخل فلسطين التاريخية” (أراضي احتلالي الـ١٩٤٨ و١٩٦٧)، حيث أصبحت نسبتهم اليوم متساوية مع نسبة عدد المستوطنين اليهود فيها (٩ ملايين عربي مقابل ٩ ملايين مستوطن يهودي).
وتعتقد “حكومة الحسم” الصهيونية الدينية المتطرفة أن المهمة الأساسية التي عليها إنجازها الآن هي “استكمال الاستقلال الأول، وذلك من خلال تصحيح الخلل الديموغرافي عبر شن حملة تطهير عرقي ضد المواطنين الفلسطينيين الموجودين خاصة في الضفة الغربية؛ وأيضاً – وبنفس الوقت – إنجاز الإستقلال الثاني من خلال استكمال عملية تهويد القدس والمقدسات فيها، وتزخيم حركة الاستيطان داخل الضفة الغربية بالتزامن مع حملات تهجير أهلها الفلسطينين العرب”.
والواقع أن هذا المشروع الذي تتبناه “حكومة الحسم” يواجه مشكلتين إثنتين متضافرتين؛ الأولى هي تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه؛ وقراره الثابت بعدم ترك أرضه مهما مارست بحقه إسرائيل من جرائم. والواقع أن ذاكرة نكبة العام ١٩٤٨ لا تزال محفورة في الوجدان الوطني العام الفلسطيني، وهي تركت لديه أمثولة تحثه على واجب عدم ترك الأرض مهما حصل.
أما العقبة الثانية الأساسية أيضاً التي تواجه مشروع “حكومة الحسم” لإنجاز ما تسميه “بالاستقلال الثاني” وطرد فلسطيني الضفة الغربية؛ فهو تمسك الأردن بعدم فتح حدودها أمام مشروع تهجير الفلسطينيين إليها ورفضه الثابت لتصفية القضية الفلسطينية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقف الأردني يخدم استراتيجية تفشيل مشروع “حكومة الحسم” الرامي إلى تهويد الضفة الغربية وتحويلها إلى “يهودا والسامرة”؛ كما أن الموقف المصري الرافض لتوطين فلسطيني غزة في صحراء سيناء يخدم استراتيجية تفشيل “حكومة الحسم” الراغبة بإفراغ غزة من مواطنيها العرب.
إن المطلوب هو تسييج فلسطين بقرار عربي رافض لجعل حدود الدول العربية مع فلسطين المحتلة بمثابة بوابات يتسرب منها الشعب الفلسطيني إلى خارج أرضه..
وفي هذا المجال يبقى هناك موقف استراتيجي آخر يجب التنبه له عربياً؛ وهو أنه كلما تم التأخر في إعادة إعمار غزة كلما خدم ذلك مشروع تهجيرها؛ لأن خطة حكومة الحسم الإسرائيلية تقوم على فكرة أن عملية تهجير أهل غزة تبدأ فعلياً في اليوم التالي لوقف الحرب؛ إذ أنه في ذلك اليوم سيشعر المواطن الغزاوي أنه لا مستقبل له فوق أرضه التي لا يوجد فيها مستشفى ولا مدرسة ولا فرصة عمل ولا مسكن.. وعليه فإن الخطة الإسرائيلية تريد تعميق هذا الإحساس باليأس بالبقاء في غزة عند مواطنيها العرب، لنبدأ حينها ما يسمى “بالهجرة الطوعية”.
مهما طال وقتها؛ فإنه بالنهاية ستنتهي حرب غزة؛ لتبدأ بعد ذلك ما يمكن تسميته بـ”الحرب الديموغرافية” بين إسرائيل والفلسطينيين؛ وقوام هذه الحرب تقوم على معادلة من سيحقق الرقم الأكبر من المهاجرين إلى الخارج: اليهود المستوطنون الذين قالت لهم واقعة ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ان لا أمان لهم في فلسطين؛ أم العرب الفلسطينيون الذي يقول لهم دمار غزة انه “لا حياة” لهم داخل فلسطين..
كل المطلوب اليوم عربياً هو الاستعداد للحرب الديموغرافية والانخراط فيها من خلال تأمين إعادة البناء بأسرع وقت في غزة، وتأمين سبل الحياة لأهلها.