خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يبدو بوضوح أن التوجه الرئيسي في حرب إسرائيل ضد حزب الله يعتمد على تكتيك الاغتيال ضد قادته وعناصره، مستغلاً لتنفيذ هذا التوجه الاعتماد على منظمومات تكنولوجية قادرة على تتبع بنك أهداف مسبق فيه بيانات موسعة عن بنية حزب الله البشرية.
السؤال هو كيف عثرت إسرائيل على هذه البيانات عن بنية حزب الله البشرية؛ هل قامت الموساد بتجميعها بالتعاون مع الوحدة ٢٨٠٠ التابعة لأمان(؟؟)؛ أم أن هذه البيانات توفرت إليها عبر مصادر أخرى موجودة داخل لبنان(؟؟)؛ أم أن الأمر هو مزيج من الأمرين معاً(؟؟).
ورغم أن الإجابة عن هذا السؤال يظل مهماً اليوم وفي الغد؛ إلا أن السؤال الأهم الآن، هو كيف يتدبر حزب الله طريقة ووسيلة تمكنه من إيقاف حملة الاغتيالات الكثيفة التي ينجح العدو الإسرائيلي بتنفيذها بشكل يومي ضد قادته وعناصره؟؟.
لا شك أن جزء من نجاح إسرائيل في حملة الاغتيالات يعود للفجوة التكنولوجية لصالح إسرائيل مع الحزب، وهو أمر يتم – حسب مصادر في حزب الله – جسر بعض فجواته مع مضي الوقت؛ إذ ليس ممكناً سد كل هذه الفجوة؛ كون إسرائيل ليست فقط متقدمة تكنولوجياً على هذا الصعيد؛ بل أيضاً لأن كل منظومة تكنولوجيا الغرب المتقدمة والضخمة موجودة بتصرفها ولخدمة أهداف حربها الاستخباراتية التي تقف على رأسها عمليات الاغتيالات ضد حزب الله وحماس وحلفائهما..
السبب الثاني الذي يُمكّن إسرائيل من النجاح بحرب الاغتيالات هو الاختراقات البشرية. وليس واضحاً لغاية الآن حجم هذا الاختراق رغم أن بعض المصادر تصفه بأنه كبير نسبياً. وفي هذا الإطار هناك داخل مجتمع الباحثين الأمنيين من يُذكر بتجربة يحيى السنوار الذي بدأ نشاطه الفعلي واللافت داخل حركة حماس من خلال ترؤسه “لوحدة أمنية” أطلق عليها إسم “مجد”.. وكانت مهمة وحدة مجد هو تنظيف حماس وبيئتها من الإختراقات الإستخباراتية الإسرائيلية. وآنذاك قطعت “وحدة مجد” شوطاً مهماً على هذا الصعيد قبل أن يتم سحبها لاحقاً لأسباب عديدة. مما لا شك فيه أن حجم الإختراقات الإستخباراتية البشرية داخل الحزب ليست بمثيل الحجم الذي كان موجوداً داخل حماس في زمن إنشاء “وحدة مجد”؛ ولكن مع ذلك يجب التنبه إلى أن حزب الله يواجه لتحصين قلعته ضد الإختراقات الإستخباراتية إمكانات الموساد الضخمة المتعاضدة في موضوع اختراق حزب الله مع عشرات الأجهزة الأمنية التابعة لدول ومنظومات عسكرية وأمنية كثيرة. أضف لذلك أن لبنان بلد مفتوح من جهة وهو هش أمنياً واجتماعياً واقتصادياً من جهة ثانية؛ وكل هذه الميزات تجعله مثالياً لأي جهاز استخباراتي يريد بناء حيثيات أمنية له فيه.
قصارى القول في هذا المجال هو أمران إثنان أساسيان:
الأول أنه يجب التنبه إلى أن إسرائيل تنفذ في لبنان تطبيقات خطة المرحلة الثالثة التي وضعت بالأساس – بالتعاون مع واشنطن ودول الغرب – ليتم تنفيذها في غزة كشرط لأن تقبل إسرائيل بتخفيض منسوب استعمال النار المفرط هناك. وما حصل أنه في غزة دخلت إسرائيل بالتعاون مع أجهزة الغرب الإستخباراتية المرحلة الثالثة التي تقوم على تنفيذ ضربات أمنية نقطوية ضد رموز حماس، ولكنها بنفس الوقت لم تتخل أيضاً عن تطبيقات المرحلة الثانية من خطة حربها هناك، والقائمة على ارتكاب التدمير والمجازر؛ أما في لبنان فهي لغاية الآن ولحد بعيد، تلتزم بعدم تنفيذ تطبيقات المرحلة الثانية من خطة الحرب التي تنفذها في غزة والتي تشتمل على تدمير البنى التحتية وقتل المدنيين؛ وبدل ذلك دخلت مباشرة بتطبيقات المرحلة الثالثة المدعومة سياسياً واستخباراتياً من الغرب وأميركا، وقوامها ملاحقة عناصر وقادة حزب الله وحلفائه العسكريين واغتيالهم بقنص من الجو..
.. وعليه يمكن التكهن بكثير من الثقة أن حرب الإغتيالات ضد عناصره وقادته، سوّقتها إسرائيل خارجياً وخاصة في أميركا والقيادة الوسطى الأميركية والناتو على أنها تطبيقات المرحلة الثالثة التي توافق على رغبات المجتمع الدولي بنقل الحرب من مستوى استخدام النار بشكل مفرط القوة وتدميري إلى مستوى منضبط ويستهدف العسكريين دون المدنيين.
الأمر الثاني يتمثل بأن حرب الإغتيالات الجارية الآن ضد حزب الله هي في جانب منها تعتبر من تطبيقات خطة “الأخطبوط” التي تبنتها حكومة لابيد – بينيت قبل العام ٢٠٢٢ وسار عليها نتنياهو في بدايات حكومته الحالية… ومضمون هذه الخطة هي التدرج في تصفية واغتيال قادة الحزب من الأسفل إلى الأعلى بغية تفكيكه من خلال توجيه الكثير من الضربات الأمنية والمتتالية له وليس توجيه ضربة واحدة تتمثل بشن حرب شاملة عليه.
خطة الأخطبوط بالأساس وضعت لتنفذ ضد إيران ولكنها اليوم تنفذ ضد حزب الله؛ وهي تبدو بمثابة خطة غير واقعية لجهة الهدف المركزي الذي تسعى إليه (أي تفكيك حزب الله عبر الإغتيالات المتتالية) ولكنها بلا شك تشكل حالة من الاستنزاف داخل اجتماع القوة البشرية المنظمة في حزب الله؛ الأمر الذي يطرح على الحزب تحدي إيجاد معادلة يرغم فيها إسرائيل على التوقف عن متابعة الإغتيالات وذلك عبر جعلها تخشى من رد مناسب من الحزب على كل إغتيال.