خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
ثمة أحداث مركزية تفاعلت في الفترة الأخيرة؛ وتحديداً منذ إعلان بايدن تخليه عن التنافس على الرئاسة؛ لا يمكن الفصل بينها ذلك أنها متصلة ومتداخلة حتى لو تباعدت جغرافياً وتمظهر كل حدث منها في سياق منفصل عن الآخر:
الحدث الأول هو نقطة بداية المسار الحالي المتمثل بترشيح كامالا هاريس بدل بايدن في خطوة لحشد اتجاه غربي دولي يتضافر لمنع ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض؛ لأن وصوله سيضر بعلاقات واشنطن مع الناتو ومع أوروبا وسيقوض مسعى أو “عقيدة” البنتاغون الاستراتيجية لتحجيم القوة العسكرية الروسية ورسم معادلة ردع أطلسية بوجهها في أوروبا، الخ..
.. وبالنسبة للبنتاغون فإن الصراع في واقعه الحالي هو على تجسيد صورة الردع الإقليمي لصالحه في ثلاث فضاءات: الأول بناء الردع الأطلسي ضد روسيا في أوروبا؛ الثاني بناء الردع الأميركي وحلفائه بوجه إيران وبوجه طموحات روسية المستقبلية في البحرين المتوسط والأحمر والشرق الأوسط؛ والثالث بناء الردع الأميركي وحلفائه في إقليم الصين..
عندما وصل بايدن إلى البيت الأبيض كان لديه ترتيب حاسم لأجندة توزيعة الردع الأميركية؛ حيث كان قراره الاستراتيجي الذي لا جدال فيه، هو إعطاء أولوية حاسمة لاحتواء الصين والتفرغ لعملية رسم معادلة ردع بوجهها في محيطها. ولكن أحداث أوكرانيا اضطرت إدارة بايدن لأن يعود إلى خطط بريجنسكي حول ردع روسيا في أوروبا من خلال إرغامها على التخلي عن طموحاتها لأن تصبح دولة بين الدول الكبرى، وبدل ذلك أن تقبل بطموح أن تصبح واحدة من الدول الإقليمية الكبرى في أوروبا.
.. أضف أن أحداث غزة اضطرت إدارة بايدن لأن تعود على وجه السرعة إلى الشرق الأوسط وبحريه المتوسط والأحمر لحماية إسرائيل.
وفي هذه اللحظة فإن إدارة بايدن موجودة داخل ثلاث معارك زائد معركة رابعة: معركة تحقيق صورة الردع في الشرق الأوسط؛ ومعركة تحقيق صورة الردع بوجه روسيا في أوروبا؛ ومعركة احتواء الصين في إقليمها وعلى مستوى العالم؛ ومعرفة رابعة خطرة كونها تجري داخل الديار الأميركية؛ هي معركة منع ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض وتقويض أجندة الأهداف الاستراتيجية الأميركية حول العالم لمصلحة أجندة أخرى معاكسة ولا تناسب لا أوروبا ولا الناتو ولا تتفق مع العقيدة العسكرية الكونية للبنتاغون.
الحدث الثاني يتمثل بقرار حكومة نتنياهو نقل الثقل العسكري من قطاع غزة من دون وقف النار في غزة إلى الضفة الغربية من أجل التمهيد لخطوة استراتيجية وهي جعل الكتلة الاستيطانية في الضفة أمراً واقعاً سياسياً وليس فقط أمراً واقعاً ديموغرافياً؛ والمقصود هنا استدراج اعتراف دولي بأن الكتلة الاستيطانية بالضفة هي جزء من دولة إسرائيل. وخطة نتنياهو ترمي إلى جعل المفاوض الإسرائيلي يقبض في الضفة الغربية الثمن عن أي تنازل في غزة.
وفي هذه النقطة الاستراتيجية يستعير نتنياهو خطة حرب السور الواقي عام ٢٠٠٢ التي كانت ترمي بين ما ترمي إليه، إلى إرغام عرفات على الانتقال من رام الله إلى غزة كشرط لفك الحصار عنه وعدم قتله.. ولكن عرفات رفض هذا الأمر كونه كان يدرك أنه لو ترك رام الله فإن تل أبيب لن تسمح له بالعودة إليها؛ لأن الخطة الإسرائيلية هي جعل السلطة الفلسطينية تترك الضفة والقدس وذلك لمصلحة تواجدها فقط في غزة والسير بمشروع بناء “دولة في غزة” فقط..
إن موقف نتنياهو الراهن من السلطة الفلسطينية واضح وهو عدم الاعتراف بها رغم تنسيقها الكامل مع إسرائيل.. وما يفسر رفض نتنياهو في هذه اللحظة زيارة أبو مازن لغزة هو أن إسرائيل لم تحسم بعد معركة الضفة الغربية.. وحينما تحسمها سوف توافق على مغادرة من دون عودة لأبو مازن إلى غزة؛ وفي حال رفض ذلك فقد يواجه ذات مصير عرفات.. ان هدف نتنياهو النهائي هو اغتيال تطبيقات اتفاق أوسلو في الضفة وشرق القدس، وحشر الكثافة الفلسطينية في جنوب القطاع بخاصة وداخل مربعات عائلية وعشائرية في كل القطاع.
وهذا التوجه هو ما يفسر خلفيات تعيين نتنياهو قبل أيام ضابط إسرائيلي مهمته الإشراف على تنسيق الوضع المدني وليس الحكم المدني في غزة على المدى الطويل..