خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يتعامل المستوى السياسي اللبناني مع استحقاق رئاسة الجمهورية على أنه بات من تفصيلات الحياة السياسية في لبنان. وهذا السلوك المستخف عملياً بأهمية انتخاب “فخامة الرئيس” تشترك فيه كل طوائف بلد الأرز، وبضمنهم الموارنة كما السنة؛ والشيعة كما الدروز؛ والأرثوذكس كما الأرمن والكاثوليك، الخ..
والسؤال الذي يطرح نفسه بشكل تلقائي هو ما الذي تغير واستجد حتى وصل أمر الإهتمام باستحقاق فخامة الرئيس في الداخل كما في الخارج إلى هذا الدرك الأسفل؟!..
في سوق التحليلات السياسية اللبنانية الكثير جداً من التفسيرات التي تعلل السبب، ويظل مهماً إدراج بعضها أو أهمها أو ربما ما يجدر التوقف عنده بينها:
من الأفضل أن تبدأ الإطلالة من شرفة الفاتيكان التي أرسلت رئيس حكومتها مرات عدة إلى لبنان من أجل إقناع مسيحيي لبنان بأنه في حال لم يعتبروا أنفسهم أنهم “والد الصبي” وسارعوا لفعل كل شيء من أجل ملء الشغور الرئاسي؛ فإن العالم لن يهتم كثيراً إذا بقي موقع رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط خالياً مدى الزمن..
كانت هذه رسالة من البابا للأحزاب المسيحية تقول إن انتخاب الرئيس أهم في ظل ظروف هذه التحولات العالمية، من إسم الرئيس؛ ولكن زيارات الرجل الثاني في الفاتيكان انتهت إلى فشل كبير نتيجة أن أقطاب الموارنة السياسيين رفضوا التنازل لصالح فكرة أن الحكمة الاستراتيجية تقتضي إعطاء الأولوية للاتفاق فيما بينهم على إنجاز الاستحقاق، بدل الخلاف القاتل فيما بينهم على إسم الرئيس وحصصهم فيه.
هناك تفسير آخر يكمل التفسير الأول ويرى أن الأمر المهم والجوهري الذي تغير هو ترتيب الأهمية الجيوسياسية للدول والمكونات في الشرق الأوسط؛ وهذا التغير نتج عن مجموعة أحداث ضخمة حصلت في المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أبرزها الغزو الأميركي للعراق الذي جعل المنطقة تذهب لتوازنات جديدة؛ ثم حرب العام ٢٠٠٦ وما استقرت عليه من نتائج على غير صعيد. ومن ثم أحداث الربيع العربي التي امتدت من عام ٢٠١١ لغاية ٢٠١٦ وكانت أحداث انتفاضة ١٧ تشرين اللبنانية عام ٢٠١٩ جزءا منها؛ وقد رسمت هذه الأحداث ما يمكن تسميته بواقع جيوسياسي جديد في المنطقة لا يرتبط بالواقع الذي كان موجوداً ما قبل العام ٢٠١١. ثم بعد ذلك جاءت حرب اليمن لتخلط الأوراق الاستراتيجية على نحو غير مسبوق وتترك نتائج مستدامة؛ واليوم تأتي حرب غزة لتعزز وتعمق تسونامي المتغيرات الجيوسياسي التي شهدتها وتشهدها المنطقة منذ ثلاثة عقود حيث ينتقل حال الشرق الأوسط من واقع إلى واقع من توزانات إلى توازنات أخرى مغايرة. وضمن كل هذه الظروف المتبدلة لن يكون طبيعياً الاعتقاد أن نظرة العالم والمنطقة إلى لبنان لا تزال على حالها، أو حتى لا تزال موجودة كحيثية مميزة في المنطقة؛ وضمن هذا السياق يجب النظر أيضاً إلى موقع رئاسة الجمهورية..
التفسير الثالث يقول إن أخطر ما يحدث اليوم على مستوى السعي لانتخاب رئيس جمهورية في لبنان هو أن أحداً في الداخل أو في الخارج لا يحدد موعداً ولو افتراضياً يعتقد انه سيتم خلاله انتخاب فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة.. في هذه الفترة ليس فقط لا يوجد سعي لانتخاب رئيس، بل أيضاً لا يوجد أفق زمني أو سياسي يؤشر إلى أنه هناك نهاية طريق لاستمرار شغور موقع فخامة الرئيس..