الهديل

خاص الهديل: من يوسف بيدس إلى رياض سلامة: “الرأسمالي المالي” و”الرأسمالي الاجتماعي”!!

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

السؤال ليس لماذا تم توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؛ بل لماذا تم توقيفه الآن؟؟ 

والسبب الذي يدفع لطرح هذا السؤال، لا يعود لكونه سؤالاً محقاً ذلك أنه في بلدان العالم المتقدمة لا يتم توجيه سؤال للقضاء عن سبب تحركه لملاحقة قضية يوجد بصددها اشتباه؛ ولكن ما يدفع لطرح هذا السؤال هو حقيقة أننا في لبنان، حيث الشكوك بنزاهة كل شيء هي العنصر المحفز لطرح الأسئلة..

وعليه يمكن القول في هذا المجال أمر أساسي، وهو أنه اتركوا القضاء يعمل ويتحرك ويأخذ كل طريقه بخصوص متابعة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة..

وبعيداً عن القضاء الذي يجب الثقة به وبرأس الموقع فيه القاضي جمال الحجار، يبقى هناك ثلاثة أسئلة لبنانية؛ أي ثلاثة أسئلة تنتمي لجينات الشكوك بنزاهة الخلفيات السياسية التي تحرك أو تحاول أن تحرك كل شيء في البلد:

السؤال الأول الذي يتداوله الناس في سيارات الأجرة العمومية وفي المقاهي الشعبية والراقية وفي الصالونات الواسعة والمتواضعة، هو إذا كان رياض سلامة، كما قالوا عنه وكما وصفه كل الإعلام وكل السياسيين، هو رجل يتمتع بحماية واشنطن، فما الذي جرى لهذه الحماية الآن؟؟ هل هناك جهة ما تجرأت وقررت أن تتحدى أميركا في لبنان من خلال المس برياض سلامة(؟؟)، أم أن أميركا – على عادتها – هي التي “باعت رياض سلامة” لمقايضته “بهدف ما” أهم منه؟؟؛ وإذا كان الأمر كذلك فما هو هذا الهدف، ولأية جهة باعت أميركا سلامة؟؟.

جميع معطيات هذا السؤال افتراضية، ولكن ما يدفع لطرحه هو منطق الحال والواقع القائم والمعاش في لبنان!!.. 

معظم السياسيين اللبنانيين، وبخاصة الموارنة منهم، تحدثوا عبر تاريخ هذا البلد بإسهاب وبمرارة عن كيف أن “العم سام” يعد ولا يفي، ويستعمل حلفاءه حتى ينال مطلبه منهم، ومن ثم يرميهم لقمة سائغة لخصومه.. 

الرئيس كميل شمعون كان يحذر من أن الأميركي يقول لك اتبعني في المصعد إلى الطابق الخمسين؛ وعندما تصل معه إلى الطابق العاشر ينزل (الأميركي) من المصعد ويتركك وحيداً تصعد إلى الطابق الخمسين حيث تكتشف أنه لا يوجد طابق في المبنى يحمل رقم الخمسين.

وعلى هامش ملف رياض سلامة لا شك أنه يوجد – ودائماً على طريقة التفكير اللبنانية – عبرة سياسية مفادها أن رياض سلامة يقيم حالياً في الطابق الخمسين الأميركي؛ وهذا دليل مادي آخر على صدق نصيحة الرئيس كميل شمعون لكل السياسيين اللبنانيين ومفادها: “لا ترافقوا الأميركي في مصعد واحد”!!

هل توقيف سلامة يتم في سياق تذكير لبنانيين بنصيحة كميل شمعون؟!

السؤال الثاني وهو مرة أخرى لا علاقة له بالقضاء الذي يجب إفساح كل الطريق له كي يعمل ويقوم بمسؤولياته؛ ومضمون هذا السؤال سياسي وله صلة بالطريقة اللبنانية في التفكير؛ ومفاده عن مصير الحماية السياسية الداخلية لرياض سلامة(؟؟)؛ بكلام آخر – وليس أوضح – ألم يكن سلامة جزءا من منظومة الحكم في لبنان(؟؟)؛ وإذا كان هو فعلياً كذلك، فهل أن محاكمته ستعني أنه جاري البدء بانقلاب سياسي في لبنان سيسفر عن تقطيع رؤوس سياسية كبيرة(؟؟)؛ وإذا حدث ذلك فعلياً، فمن سيحمي محاكمة رياض سلامة؛ أو بمعنى آخر من سيحمي الانقلاب السياسي الذي سيسفر عن محاكمة رياض سلامة(؟؟)؛ هل هناك جهة داخل لبنان تستطيع فعل ذلك(؟؟)؛ ثم هل تكون واشنطن بذاتها تريد إطلاق مسار يوحي بأنه قد يؤدي – ولا يؤدي بالضرورة – إلى حدوث انقلاب سياسي على سياسيي لبنان بدعم منها، سيما وأن أساطيلها في هذه الفترة موجودة على بعد حجر عن شواطىء لبنان(؟؟).

.. مرة أخرى جميع معطيات هذا السؤال هي افتراضية؛ وما يبرر طرحها هو أمر واحد؛ وهو أن محاكمة رياض سلامة تجري في لبنان؛ ما يسمح بأن تجر أحصنة الشكوك السياسية وتخيلاتها، عربة الوقائع بخصوص هذا الملف الاستثنائي.

السؤال الثالث الأكبر هو هل يكون رياض سلامة كبش فداء سياسي.. بمعنى هل يطوى ملف فساد مرحلة سياسية كاملة بالحكم على فساد رجل واحد أو بتعبير أدق على فساد موظف واحد!!؟…

لا يمكن تخيل أن رياض سلامة كان حاكم مصرف لبنان فقط؛ بل كان حاكم مصاريف تمرير السياسات اللبنانية؛ “كان مستطيعاً بغيره من السياسيين”، وليس بقدرته وحده؛ ولكن مأساة رياض سلامة تكمن في أنه كان لديه نقطة ضعف بنيوية واكبته منذ أن تم وضع ملعقة ذهب أموال الدولة والمواطنين في فمه؛ وسوف تظل نقطة الضعف هذه تواكبه إلى الأبد؛ وهي أنه ينتمي إلى طبقة “الرأسمالي المالي” وليس إلى طبقة “الرأسمالي الاجتماعي”؛ ولذلك فإن حصانته تظل ناقصة مهما علا كعبه المالي.. فمن يحظى بالحصانة في لبنان هو النوع الثاني من الرأسماليين، ويطلق عليهم “الرأسمالي الاجتماعي” الذي يجمع في حوزته ثروة المال وثروة مكانته الطائفية…

عندما سجن يوسف بيدس ذكره صديق له بأنه كان عليه أن يتذكر قبل فوان الأوان انه “رأسمالي مالي” وليس “رأسمالي اجتماعي”.. 

 يوسف بيدس صاحب بنك انترا الذي كان يخصص رواتب لثمانين بالمئة من نواب البرلمان؛ مات بالسجن!؟؟.

Exit mobile version