خاص الهديل…
كهرمان مصطفى…
في عالمنا الرقمي اليوم، يبدو أن البحث عن الشهرة وزيادة المشاهدات على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح هدفاً يسعى لتحقيقه الكثيرون، حتى وإن تطلب الأمر اللجوء إلى أساليب غير قانونية أو أخلاقية أو حتى غير دينية. لذا لا نحتاج إلى البحث بعيداً لنشاهد كيف يمكن أن يقود التنافس على الترند إلى أفعال غير محسوبة. مثال على ذلك هو الشاب المصري الذي ظهر قبل أيام على تطبيق تيك توك مدعياً أنه الإمام المهدي المنتظر، وهو موقف أثار موجة من الجدل والبلبلة في الأوساط الاجتماعية، وكذلك الدينية!!
ليست هذه الحالة الوحيدة التي تثير القلق؛ فقبلها، شهدنا حوادث مماثلة.. كتلك التي ظهر فيها طالب يبلغ من العمر 13 عاماً، يقوم بتعذيب قط، وتصوير هذا الفعل البشع لزيادة المشاهدات، أو تلك السيدة التي نشرت مقاطع صادمة لجذب الانتباه، أو أولئك الشباب الذين استعرضوا سياراتهم بطرق خطيرة ليحققوا بها أرباحاً من المشاهدات. وأيضاً واقعة الاختطاف الوهمي لعروسين في مصر، فلك أن تتخيل، أن يخطط عروسين لاختطاف وهمي ليلة زفافهما، من أجل زيادة عدد المشاهدات على صفحاتهم عبر السوشيال ميديا، أو “ركوب التريند”، دون أن يلتفتوا للمخاطر التي وقعت على ذويهم، والألم النفسي الذي أحاط بمن حولهم، وحالة الخوف والرعب التي بثوها في المجتمع. جميع هذه التصرفات تكشف عن تحول خطير في السلوكيات، حيث أصبح كل شيء مباحاً في سبيل تحقيق الأضواء الزائفة.
هذا الانحدار في السلوك يعكس أزمة أعمق تتعلق بتراجع دور الأسرة وغياب الوازع الديني، مما يؤدي إلى تآكل القيم الأخلاقية في المجتمع؛ وبذلك نحن بحاجة ملحة إلى إعادة النظر في كيفية استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيق ضوابط تضمن حماية القيم والأخلاق؛ فإن لم نتحرك بسرعة، قد نجد أنفسنا في مواجهة أزمات أكبر تؤثر على قيمنا وتوجهاتنا المستقبلية.
إن التحدي اليوم هو استعادة التوازن بين البحث عن الشهرة والحفاظ على القيم الإنسانية؛ لذا التحدي الأكبر يكمن بألا نسمح أن يصبح التريند وسيلة لتخريب المبادئ الأخلاقية، بل يجب أن نضع حدوداً واضحة لضمان استدامة القيم النبيلة وتعزيز الوعي الأخلاقي في عصر الرقمنة.
خلاصة القول.. إن ما نراه من تصرفات غريبة وتحديات غير محسوبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعكس تحولاً خطيراً في قيمنا وسلوكياتنا. من إدعاءات زائفة إلى سعي متواصل للظهور والشهرة، يظل الواقع ماثلاً أمامنا بكامل جديته؛ فالبحث عن التريند وتحقيق نسب المشاهدات قد يتسبب في زعزعة استقرار المجتمع دينياً وأخلاقياً وتفكيك أواصر الثقة بين أفراده. لذا نحن في حاجة إلى إعادة تقييم علاقتنا بهذه المنصات وتحديد معايير وضوابط للتعامل مع المحتوى الرقمي، من أجل حماية القيم والأخلاقيات التي تشكل نسيج مجتمعاتنا. فالتصرفات غير المسؤولة التي نشهدها يجب أن تكون دعوة لنا جميعاً للعمل بجدية على إعادة بناء قواعد السلوك الرقمي، والحفاظ على استقرار وأمان مجتمعاتنا من الانزلاق نحو الفوضى.