خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
هناك تناقض بين قدرات إدارة بايدن بالضغط على نتنياهو، وبين مقترحه الجديد الذي يحمل عنوان “خذ المقترح كله أو اتركه كله”.
عنوان مقترح بايدن الجديد الذي خرج إلى النور قبل ساعات، يوحي بأن الرئيس الأميركي ضاق صدره بنتنياهو، وهو لم يعد يريد التفاوض معه وإقناعه، بل يريد فرض رأيه والحل عليه..
.. ويوحي عنوان المقترح أيضاً أن بايدن يهدد بأنه من يريد عدم قبول مقترحه كما هو ومن دون أي تعديل عليه؛ فعليه تحمل مسؤولية وتبعات أنه يقول لا للولايات المتحدة الأميركية!!.
لا أحد في العالم – وأولهم نتنياهو المعني بالأمر أكثر من غيره – يصدق تهديد بايدن؛ والأسباب كثيرة؛ منها أن بايدن حينما كان رئيساً كامل الأوصاف لم ينجح بالضغط على نتنياهو، أو أنه لم يرد بالعمق الضغط عليه؛ فكيف سيكون حاله الآن وهو يتصف بأنه “بطة عرجاء”.
.. بكل تأكيد سوف يدير نتنياهو ظهره لمقترح بايدن “خذه كله أو اتركه كله”؛ وبمقابله سيطرح نتنياهو على إدارة بايدن مقترح “هات كل شيء لإسرائيل، ولا تقل شيئاً ضد إسرائيل”.
والواقع أن بايدن منذ ٧ أكتوبر العام الماضي ينفذ عنوان مقترح نتنياهو السالف ذكره؛ فهو حتى عندما كان “بيبي” يرفض مقترحاته، كان البيت الأبيض لا يقول إن نتنياهو يرفض، بل كان يصدر بياناً رسمياً يدعي فيه أن نتنياهو وافق؛ وكان مكتب نتنياهو يصدر بياناً ينفي فيه أنه وافق على مقترح بايدن.. حصل هذا الأمر أكثر من مرة خلال أشهر الحرب العشر الأخيرة.. وحتى حينما كان نتنياهو ينفي، كان بايدن يقول إن “بيبي” لا يزال يفكر.. وفي المرة الوحيدة التي خرج فيها بايدن عن حرصه الشديد على عدم اغضاب نتنياهو فعل ذلك للحظات وهاجم نتنياهو، ثم عاد واعتذر!!..
السؤال الذي يجب طرحه اليوم هو ليس هل يستجيب نتنياهو لمقترح الضغط لبايدن الأخير “خذه كله أو اتركه كله”؛ بل لماذا لا يستجيب نتنياهو لضغوط رئيس أقوى دولة في العالم والرئيس دولة تعطي الحياة لإسرائيل؟؟.
الإجابة عن هذا السؤال موجودة على نحو كبير في كتاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يحمل عنوان “أرض موعودة”.
هذا الكتاب سطره أوباما حينما خرج من البيت الأبيض؛ وهو لم يعرض فيه كعادة أسلافه لمذكراته بالمعنى التقليدي، بل دون فيه انطباعاته عن الرؤساء والملوك الذين التقى بهم وعمل معهم خلال سنوات رئاسه.. وفي هذا الكتاب يتحدث أوباما عن الزعماء العرب وعن شخصيات عالمية ويخصص صفحات طويلة للحديث عن نتنياهو الذي لم يكن أوباما يحبه، وكان له معه جولات طويلة من الخصام الشخصي.
أهم ما يقوله أوباما عن نتنياهو، وهو ما يهم موضوع الإجابة عن سؤال لماذا لا يستجيب “بيبي” لرئيس الدولة التي تعطي إسرائيل الحياة؛ هو التالي:
أولاً- يقول أوباما إنه فيما يهاب رؤساء أكبر دول العالم البيت الأبيض فإن أي رئيس حكومة في إسرائيل يستطيع أن يخوض بنجاح منازلة سياسية مع الرئيس الأميركي؛ وأسباب ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال أن الرئيس الاميركي مستلب ومستولى على وعيه وعقله وقلبه ومصالحه من قبل الصهاينة اليهود والمسيحيين.
يصف أوباما كيف يحدث ذلك بالقول إنه حينما يكون الأميركي صغيراً فإنه يستمع لوالدته وهي تحدثه عن رومانسية نشأة إسرائيل؛ وحينما يدخل المدرسة يتم تقديم تعريف للسامية أمامه مضمونه أنها تعني العداء لإسرائيل؛ وعندما يكبر ويدخل الجامعة فإنه يتعلم على أيدي علماء ومتخصصين يهود صهاينة ويقرأ صحافة يكتب افتتاحياتها وموادها يهود صهاينة، الخ..
ثانياً- يقول أوباما في كتابه “أرض موعودة” ان لنتنياهو قوة خاصة داخل الولايات المتحدة الأميركية، من بين جميع الشخصيات الإسرائيلية؛ نظراً لكون “بيبي” هو أكثر شخصية إسرائيلية تعرف مكامن وتفاصيل النفوذ الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأميركية.
ثالثاً- يقول أوباما انه في إحدى المرات جرى صدام بينه وبين نتنياهو؛ حينها قرر أوباما بصفته رئيس الولايات المتحدة الأميركية أن يحرك عملية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين؛ وطلب من نتنياهو أن يقدم بادرة حسن نية للمفاوض الفلسطيني من خلال تجميد الاستيطان في الضفة العربية. لكن نتنياهو رفض طلب أوباما واستمر بالاستيطان، بل زاد من وتيرته. وحينها غضب أوباما من استفزاز نتنياهو فأرسل إليه وزير خارجيته آنذاك هيلاري كلينتون، ومعها الرسالة الحادة التالية: أوباما غاضب منك ويريدك تجميد الاستيطان حالاً.
.. رمى نتنياهو تهديد أوباما في سلة المهملات وفي اليوم التالي لم يجد أوباما سيناتوراً واحداً في مجلسي الشيوخ والنواب يقف إلى جانبه ضد “بيبي”..
ويعلق أوباما قائلاً: حتى النواب الأميركيين الذين يقولون في الإعلام انهم ضد الاستيطان، أرسلوا لي يضغطون عليّ حتى أتخلى عن الضغط على نتنياهو وعن مطلبي بتجميد إسرائيل للاستيطان.
يختم أوباما بما معناه أن ما حصل علّمه بأن عليه التخلى عن محاولة إنشاء سلام بين إسرائيل وفلسطين لأنه لا يملك فرصة أن يكون وسيطاً نزيهاً.
اليوم بايدن تلميذ أوباما أو الرجل الذي عاش فترة حكم مع أوباما يصل لذات النتيجة، رغم أنه يكابر ويضع على طاولته المكسورة في البيت الأبيض مقترح “خذه كله أو اتركه كله”.. في واشنطن يقولون إن هذا المقترح سيؤدي إلى نتيجة واحدة وهي إظهار عجز الرئيس الأميركي البطة العرجاء عن الضغط على إسرائيل وعلى نتنياهو؛ الأمر الذي قد يدفع بايدن هذه المرة للتخلي عن دور الوسيط في حرب غزة؛ كما تخلى أوباما عن دور في الوسط في ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي.