خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
هناك عدة أبواب يجري منذ عامين تقريباً تجريب معالجة فتح كل واحد منهم على حدا، بغية الولوج إلى عقد انتخابات فخامة الرئيس وإنارة أضواء قصر بعبدا المظلم منذ انتهاء ولاية عهد الرئيس ميشال عون الذي أطلق تجاوزاً على عهده لقب “عهد الرئيس القوي”.
الباب الأهم والاساسي هو الباب الأميركي؛ وهذا الباب يحمل مفاتيحه آموس هوكشتاين الذي سبق ونجح في إبرام الاتفاق البحري الصعب بين لبنان وإسرائيل؛ حيث بموجب هذا الاتفاق تم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. لقد جاء هوكشتاين منذ بدء الشغور الرئاسي إلى لبنان عدة مرات، وفي كل مرة كان يشاع أن بجعبته أسئلة وليس أجوبة عن الاستحقاق الرئاسي؛ بينما بالمقابل في جعبته أجوبة وليس فقط مجرد أسئلة عن سبل وقف النار في الجنوب بين حزب الله وإسرائيل وبخصوص ترسيم الحدود البرية، الخ..
جاء وذهب هوكشتاين مؤخراً عدة مرات ولم ينجح في مهمة فصل حرب جنوب لبنان عن حرب غزة؛ وحالياً بات هوكشتاين يتكلم مثل السيد حسن نصر الله بخصوص انه قبل وقف النار في غزة لا يمكن الحديث عن شيء في لبنان سوى ضرورة إبقاء التصعيد العسكري في الجنوب مضبوطاً تحت سقف عدم الانزلاق لحرب.
هناك أجواء من داخل البيئة المسيحية تقول إن واشنطن لم يعد لديها ذات النظرة المهتمة بالوجود المسيحي في لبنان وكل المشرق العربي؛ وهذا ما يفسر أمور عدة تحدث وحدثت في الفترة الأخيرة، ومن بينها لماذا واشنطن لا تبذل ضغوطاً جدية من أجل عقد استحقاق انتخاب فخامة الرئيس اللبناني الذي هو الرئيس المسيحي الوحيد في كل منطقة الشرق الأوسط.
وبكلام إجمالي يمكن القول إن الباب الأميركي مقفل؛ ولا يمكن توقع فتحه باتجاه إنتاج فخامة الرئيس قبل وقف حرب غزة؛ مع الإشارة هنا إلى أن اهتمام العم سام بانتخاب فخامة الرئيس مرده ليس حرص واشنطن على موقع فخامته بحد ذاته؛ بل لكون توقيع رئيس الجمهورية ضروري لتمرير أية ترتيبات قد تتوصل إليها واشنطن بين لبنان وإسرائيل على مستوى تثبيت الحدود البرية بينهما.
.. إذن ما يهم واشنطن هو توقيع رئيس الجمهورية بغض النظر عن إسمه ودينه ولونه السياسي.
وهذه النقطة قد تفتح المجال للقول انه إذا كان هناك علاقة بين تعزيز موقع المسيحيين في لبنان وبين تثبيت صلاحيات معتبرة لفخامة الرئيس؛ فإن المطلوب إعادة بعض الصلاحيات له؛ كون التجربة العملية بدأت تظهر أن العالم ينظر للرئيس من خلال صلاحياته والأمور التي يحق له التوقيع عليها، وليس من خلال طائفته؛ ذلك أن زمن الدعم الدولي للرئيس اللبناني كونه مسيحياً انتهى؛ والعالم يسأل اليوم فخامة الرئيس عن صلاحياته حتى يحدد مدى دعمه له!!.
.. لكن هذا الاستدراك بخصوص ضرورة العودة إلى جزء من صلاحيات فخامة الرئيس التي كانت له قبل الطائف؛ غير مقبول من قبل طوائف لبنانية ودول عربية؛ أضف أنه لا يوجد له حماس من قبل دول غربية..
.. بعد الطائف زار أحد الشخصيات اللبنانية المسيحية البارزة ممثل هام لدولة عربية إقليمية هامة. وسأل الأخير محدثه اللبناني قائلاً: أنا أتحدث معك الآن بشكل رسمي. إن دولتي مستعدة لتقديم أي دعم تطلبونه.. فماذا تطلبون؟؟..
أجابت الشخصية المسيحية: لا أريد شيئاً لنفسي بل أقترح أن تتم إعادة بعض الصلاحيات لفخامة الرئيس المسيحي..
هنا انقلب موقف الشخصية الرسمية العربية الهامة وقال: إلا هذا الأمر.. فلو تجاوبت مع طلبك سوف أخرج من هنا لأجد تظاهرات إسلامية تنتشر بالشوارع وهي تهتف ضدي!!.
وهذه الواقعة، مضافاً إليها فتور الحماس الغربي في دعم الوجود المسيحي في كل المشرق، تدلل على أن دستور الطائف تعامل مع لبنان ومنه مع المنطقة، على أنها (أي كل المنطقة) تعيش أزمة اجترابات أهلية؛ وأن الحل المستدام يتمثل بجعل الأكثرية الديموغرافية في المنطقة (المسلمين) تشعر بأنها غير منقوصة الحقوق، وأن تمثيلها داخل حكم دول المنطقة يساوي حجمها بالتمام، وليس أقل من ذلك.
وبمقابل نظرية أن العالم يبحث عن صلاحيات المسؤول وليس عن طائفته ودينه، توجد نظرية أخرى توصي بأن فخامة الرئيس يمكنه تعويض نقص صلاحياته بنوعية إدائه.. وتقول هذه النظرية إن أهمية فخامة الرئيس ليست بصلاحياته، بل بقدرته على إنتاج دور هام له داخل الحياة السياسية اللبنانية..
.. تضيف هذه النظرية أن المسيحيين هم جسر التواصل بين الشيعة والسنة في المنطقة؛ وهذا الدور لهم يجعلهم ليسوا الدين الثاني في الشرق الأوسط، بل الدين الجامع لتقارب المركبات الإجتماعية والدينية الكبرى في الشرق الأوسط.
وبنظر أصحاب هذه النظرية فإن ضعف موقع فخامة الرئيس حالياً مرده تقصيره في إنتاج الدور فوق الواقع المعاش، وليس نقص صلاحياته على الورق.