خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
هل يجب أخذ تهديدات حكومة نتنياهو للبنان بشن حرب عليه محمل الجد؟؟؛ وهل فعلاً نتنياهو يفكر بفتح جبهة حرب جديدة واسعة مع حزب الله إلى جانب جبهتي غزة والضفة المتصاعدتين؟؟.. أم أن الكلام الإسرائيلي التصعيدي ضد لبنان الذي صدر خلال الـ٧٢ ساعة الماضية لا يعدو كونه جزءا من الخطاب السجالي الموجه للداخل الإسرائيلي وهو مجرد تهويل موجه بغير اتجاه؟!
هناك مؤشرات عملية يجب أن تقترن مع أي كلام حربي إسرائيلي عن لبنان، حتى يصبح من الممكن أخذه على محمل الجد:
أولى هذه المؤشرات تتعلق بإجراءات نقل الثقل العسكري الإسرائيلي من الجنوب مع قطاع غزة إلى الشمال مع لبنان.. وما جرى عملياً في المرحلة الراهنة هو أن إسرائيل نقلت الثقل العسكري لها من الجنوب إلى الوسط في الضفة الغربية.. وهذا يعني أن تركيز الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة يتموضع بين الجنوب والوسط أي على جبهتي غزة والضفة. وتجدر الإشارة إلى أنه من منظار العقيدة العسكرية الإسرائيلية فإن جبهة الوسط (أي الضفة) تعتبر الأخطر لأنها موجودة بين ظهراني الكيان وهي تشكل خط تماس مع الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وكل هذه المعطيات تؤكد أنه رغم تحريك إسرائيل لقطاعات عسكرية باتجاه الشمال مع لبنان إلا أن عمليات التحريك هذه تعتبر تكتيكية أو ما دون استراتيجية بقياسات اقترابها من مرحلة الاستعداد لشن حرب شاملة.
المؤشر الثاني يتصل بزيارة قائد الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي إلى الحدود الشمالية مع لبنان وقوله من هناك أن الجيش يستعد لتنفيذ ضربات في الداخل اللبناني.
ليست هذه المرة الأولى التي يصدر فيها عن الجيش تصريحات تهدد بقرب شنه عمليات عسكرية ضد لبنان؛ ولكن دائماً كانت هذه التصريحات لا يتم ترجمتها عملياً فوق الميدان.
المهم في تصريحات هاليفي هو أنها حرصت وأرادت أخذ صورة لقائد الجيش الإسرائيلي، وهو يقف على الحدود مع لبنان، وفي خلفية الصورة توجد عملية مناورة للجيش الإسرائيلي تجري في منطقة جغرافية تشبه لحد بعيد جغرافية الجنوب اللبناني.
واضح أن هاليفي كان يريد حقن الجيش وأيضاً الجبهة الداخلية في إسرائيل، بجرعة معنويات عالية هدفها تحسين النظرة الداخلية الإسرائيلية للوضع على الجبهة الشمالية.. فخلال الأيام القليلة التي سبقت زيارة هاليفي للجبهة الشمالية كان إعلام الكيان مستنفراً في تغطية تساقط صواريخ الحزب على مستوطنات الشمال وعن الخسائر فيها. وكان هناك نقد كبير في الإعلام العبري موجهاً ضد الحكومة التي ليس لديها خطة عمل ضد حزب الله ولبنان. وهذا النوع من المستجدات هو الذي دفع هاليفي أولاً كي يزور الجبهة التي يشعر مستوطنو الشمال أن “قيادة الدولة” لا تعيرها نفس الأهمية التي توليها لجبهة الوسط حيث توجد تل أبيب. وعليه فإن هاليفي جاء إلى ميدان حرب الشمال مع لبنان كي يقول إن قيادة إسرائيل تهتم بالشمال ومستوطنيه، الخ..
ثانياً- جاء كلام هاليفي عن قرب الحرب على لبنان حتى يجيب على التهم الشائعة في الإعلام العبري عن إسرائيل وجيشها لا يملكون خطة عملية لحل الوضع في الشمال. لقد حرص هاليفي ليس فقط على القول نستعد لشن حرب بل ربط قوله هذا بإطلاق وعد بأنه سيتم تنفيذ تهديده قريباً؛ وحدد نوع العدوان على لبنان قائلاً انه سيكون في قلب لبنان؛ لكنه لم يحدد ما إذا كان يقصد بأن الجيش الإسرائيلي سيتوغل براً أم سيكتفي بتوجيه حملة جوية استراتيجية.. وختم هاليفي كلامه بالقول انتظروا لتروا.
الواقع أنه رغم كل هذه التحديدات التي برزت في كلام هاليفي، إلا أنه لا يمكن اعتبار كلامه هذا جدياً، رغم أنه اشتمل على قطع وعد للإسرائيليين بأنه سينفذ تهديده قريباً؛ وأيضاً رغم أن حزب الله سرب بلسان مصدر رفيع بأنه يعتبر تهديدات هاليفي جدية.
.. ولكن لماذا لا يمكن النظر بجدية لتهديدات هاليفي(؟؟)..
.. لعدة أسباب أبرزها أن الجيش قبل البدء بحرب تحديداً ضد حزب الله فهو يحتاج إلى توفير عدة شروط بشكل مسبق:
أحد هذه الشروط هو تأمين حاجته (أي الجيش) للدخول في “مرحلة إنعاش” تستغرق من ستة أشهر إلى سنة؛ وهو أمر لم يحصل بعد؛ بل إن الجيش الإسرائيلي لا يزال داخل مربع الإنهاك والاستنزاف.
الشرط الثاني هو ضمان تأمين الموافقة المسبقة من الجانب الأميركي على الحرب ضد لبنان؛ وأيضا الدعم الكامل الأميركي لهذه الحرب؛ وحتى المشاركة بحانب أساسي من فعالياتها.. وكل هذه الشروط ذات الصلة بالولايات المتحدة الأميركية غير متوفرة أو أقله لا تزال غير متوفرة.