خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
شهدت الأحداث التي حصلت بين العامين ٢٠١١ و٢٠١٦ في العالم العربي، انهيارات للحدود الوطنية، حيث تداعت عملياً وليس قانونياً، حدود سايكس بيكو وانهارت حدود دول عربية كانت تعتبر الأكثر قدرة على الصمود..
قبل ذلك كان عراق صدام حسين هدم الحدود العراقية الكويتية؛ ثم حدثت تطورات الثورات العربية التي بدأت في تونس ثم امتدت إلى مصر فليبيا واجتاحت السودان؛ وخلال هذه الأحداث لم تعد الحدود الوطنية بين هذه الدول قائمة إلا بالحد الأدنى من الشكل.. أثناء فترة حكم الاخوان المسلمين لمصر التي كانت ثمرة ملتبسة للثورة المصرية، فتحت الحدود على تنقل حركة السلع الايديولوجية والاخوان بين السودان ومصر وغزة وليبيا. ما حصل لم يكن تكاملاً اقتصادياً بين هذه الدول، بل كان تداخلاً ايديولوجياً بين حراك إسلامي حركي أصبح له ركائز حاكمة أو نفوذ في كل هذه الدول.
بموازة ذلك انهارت حدود المشرق العربي بين العراق وسورية ولبنان، وساد منطق داعش الذي قسم هذه البلدان إلى ساحات نصرة وساحات جهاد ولم تعد أوطاناً داخل حدودها.
حالياً عاد للحدود الوطنية بين هذه الدول شكلها الذي سبق فترة انهيارها خلال الثورات العربية وأحداث ٢٠١١ لغاية ٢٠١٦ وأكثر قليلاً؛ ولكن هذه الحدود الوطنية لا تزال تعيش تداعيات مرحلة انهيارها. والمستجد على هذا الصعيد هو أمران إثنان: الأول عودة داعش، لترسم حدوداً جديدة لنشاطها داخل كل من سورية العراق.. والأمر الثاني هو ما يحاول نتنياهو فعله اليوم من خلال العودة لنظرية إسرائيل عن ضرورة سيطرتها على الحدود مع كل الدول المحيطة بها أو اللصيقة بمناطق الفلسطينيين التي هي خارج الاحتلال (الضفة وغزة)..
مشروع نتنياهو للسيطرة على معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، ومشروعه أيضاً لفرض ترتيبات أمنية على الحدود مع لبنان ومشروعه لتغيير الأمر الواقع الحدودي مع الأردن؛ هي كلها مؤشرات تشي بمحاولاته لإعادة معادلة الحدود الوطنية في كل المنطقة العربية اللصيقة بإسرائيل أو بمناطق “اتفاقات السلام” معها إلى لحظة فوضى سياسية وسيادية..
يوجد لإسرائيل مصلحة في عدم عودة الاستقرار للحدود الوطنية بين الدول العربية؛ لأنه من وجهة نظر تل أبيب فإن حدود إسرائيل لا تستقر إلا إذا كانت خطوط الحدود بين الدول العربية مشتعلة.
.. وتريد إسرائيل أيضاً نقل المعركة من خط غلاف غزة مع إسرائيل إلى خط الحدود بين مصر وغزة.. وتريد تل أبيب نقل الحرب بين الضفة الغربية وبين خط المستوطنات الملاصق لها، إلى خط الحدود بين الضفة الغربية والأردن. تبدو الصورة ملتبسة فيما لو نظرنا إليها من منظار توصيف الإعلام الإسرائيلي لها، الذي يحاول تصوير الأحداث على خط فيلادلفيا وعلى جسر الملك حسين (جسر اللنبي) بأنها خطوات لحماية أمن حدود إسرائيل مع مصر والأردن؛ علماً أن حدود إسرائيل بموجب كامب ديفيد وبموجب أوسلو، لم تعد هي تلك الحدود التي تحاذي الأردن ولا مصر، بل هي تلك الحدود المحاذية لغزة شمالاً وليس جنوباً باتجاه سيناء، وتلك المحاذية للضفة الغربية شمالاً باتجاه فلسطين الـ٤٨ المحتلة وليس شرقاً باتجاه الأردن.
كل خطة نتنياهو هي إنهاء اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين من خلال عودة أحداث الضفة الغربية للاشتعال عند نقطة حدودها مع الأردن وليس فقط مع إسرائيل؛ وأيضاً تحويل اتفاق كامب ديفيد إلى اتفاق قبول بالسلم المعترف بإسرائيل من دون التمسك بخرائط تقسيم الحدود التي أسفر عنها اتفاق كامب ديفيد.
نتنياهو يريد العودة جيوسياسياً لليوم التالي بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧؛ ويريد العودة بالوضع على الحدود مع غزة ومصر لليوم السابق لخيمة الكلم ١٠١ في سيناء الذي حصلت وقائعه خلال الأيام الأخيرة من حرب العام ١٩٧٣؛ حينما كان هناك تداخل بين الجيش الإسرائيلي الذي حاصر الجيش المصري الثالث في سيناء.
يتعامل نتنياهو حالياً مع محور فيلادلفيا على أنه خارج الملاحق الخاصة التابعة لاتفاق كامب ديفيد؛ فهو يعتبره ملحق أمر واقع أمني مستجد تابع لتداعيات حرب طوفان الأقصى؛ وبنفس الوقت فهو يتعامل مع اتفاق وادي عربة مع الأردن على أنه بات خاضعاً لتداعيات الحرب المتعاظمة شيئاً فشيئاً في الضفة الغربية. وبنظره فإن ما يحدث في الضفة الغربية إنما يمهد لاحتمالات انهيار الوضع الحدودي بين الضفة الغربية والأردن.
خلاصة القول إنه يجدر الحذر لأن خطة نتنياهو هي نقل حرب طوفان الأقصى من ميدان إلى آخر؛ وجعلها معركة حدود مع دول عربية، وليس معركة الفلسطيني داخل حدود الكيان الإسرائيلي.