خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يوجد بحث مستحيل عن إنشاء معادلة تربط بين الإنتخابات الرئاسية الأميركية التي ستعقد في ٥ نوفمبر القادم، وبين الإنتخابات الرئاسية اللبنانية التي لم يتم إيجاد موعد لعقدها بعد..
قبل حرب طوفان الأقصى كانت القوى الحزبية اللبنانية تتوهم أو توحي بأنها تعتقد أن موعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان مؤجل حتى يخرج الدخان الأبيض من اجتماعات استكمال المصالحة السعودية الإيرانية الكبرى التي تم افتتاحها حينها في الصين؛ وآنذاك تم الاستعانة بمترجمين يعرفون اللغة الصينية لتفسير ما إذا كان لمصالحة الصين تتمة على استحقاق فخامة الرئيس اللبناني. وبرزت حينها نظرية اعتمدها اللبنانيون بشكل أعمى، وكان مفادها أن مصالحة الرياض – طهران سيكون لها حتماً نتائج إيجابية تؤدي لحل أزمات المنطقة؛ ولكن هذه الحلول ستحصل بالتتابع وفق أولويات البلدين حيث – للأسف – اهتمامهما بالحل في لبنان يأتي في آخر سلم مصالحهما..
ووفق هذا التحليل الذي أظهرت أحداث المنطقة اللاحقة أنه لا صحة له البتة؛ أقنع اللبنانيون أنفسهم بأن عليهم انتظار دورهم على قارعة تسول نتائج المصالحة الإيرانية السعودية؛ وبموجب هذا الانتظار سيكون عليهم التمهل حتى يحصل بداية ترجمة للمصالحة السعودية الإيرانية في اليمن ومن ثم في العراق وبعد ذلك في سورية وأخيراً في لبنان!!
وحالياً انتهى موسم انتظار اللبنانيين لما ستحمله مصالحة “الألف سين” من حلول لأزمة استحقاق فخامة الرئيس؛ ليدخلوا من جديد في نفق انتظاري آخر إسمه انتظار نتائج حرب غزة.. ويتشارك اللبنانيون بغض النظر عن مشاربهم السياسية على فكرة أنه قبل انقشاع غبار حرب غزة لن يكون ممكناً انتخاب رئيس جديد للبنان.
طبعاً ليس هناك أحد من اللبنانيين لديه فكرة عن موعد نهاية حرب غزة وبالتالي، وبالتالي ليس لدى أحد من اللبنانيين فكرة عن أي موعد ولو افتراضي محتمل لإنهاء الشغور الرئاسي؛ غير أن الفكرة العميقة التي تطرح نفسها هنا؛ هي ليس فقط عن ضحالة التفكير السياسي اللبناني الذي يربط استحقاقاً داخلياً بأحداث كبرى في المنطقة من الصعب أصلاً تخيل نهاياتها حتى من قبل المنخرطين في صناعتها: فمثلاً حتى الآن لا تعرف لا الرياض ولا طهران كيف سترسي الترجمة السياسية النهائية لمصالحة الصين بينهما.. ولا تعرف واشنطن أو تل أبيب أو القاهرة أو طهران كيف ستنتهي حرب غزة ومتى(؟؟)؛ فالأحداث في العالم وفي المنطقة تشبه عاصفة لا يمكن توقع كيف ستنتهي ومتى، ووفقاً لأية توازنات!!
.. وعليه، يصبح الأمر مدعاة للتهريج غير المضحك حينما يعلن اللبنانيون في كل مرة أنهم دخلوا مرحلة انتظار سياسي جديد له علاقة بأضخم حدث ينفجر أو يقع في العالم.. فمثلاً في هذه اللحظة يتوهم اللبنانيون أنه لا يمكن لهم تجميع نصاب انتخابي لافتتاح جلسة مجلس النواب لانتخاب فخامة الرئيس، قبل أن ينتخب الأميركيون رئيسهم الجديد!!.. ولكن أحداً في لبنان لا يجري مع نفسه “تمرين فهم سياسي”، ويطرح على نفسه سؤال بسيط عن الرابط الممكن انشاؤه بين انتخاب رئيس اقوى دولة في العالم وانتخاب رئيس أضعف دولة في العالم؟!!
وتصبح الملهاة مأساة حينما تتحرك فلول نيابية لبنانية من ذات لون طائفي أو مناطقي معين، وتعلن انها تتحرك باتجاه يلاقي تحرك خارجي سداسي أو خماسي أو ثلاثي أو “قطبي”، كون انتخاب فخامة الرئيس هو ثمرة شجرة نصف جذورها في لبنان ونصفها الآخر الأهم في الخارج..
إن مسرحية أن فخامة الرئيس هو ثمرة تنمو على شجرة العلاقات الدولية وأن قطافها لا يحين إلا بعد حسم أكبر الصراعات وأهم الحروب في المنطقة هي مسرحية لم يعد لديها جمهور، وصار ممثلوها أشبه بلاعبي السيرك الذين تتعثر خطواتهم حتى قبل أن يصعدوا على سلالم احتكار ذكاء تركيز جمهور المشاهدين..