خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
انتقل أمس الضوء داخل إسرائيل ليتركز على الجبهة الشمالية مع لبنان؛ وسربت القيادة الإسرائيلية بمستويها السياسي والعسكري معلومات وأجواء رسمت مشهداً يفيد بأن إسرائيل تتجه لشن حرب وشيكة الحدوث على حزب الله في لبنان؛ وأن هذه الحرب أصبحت أمراً واقعاً(!!)؛ وضمن هذا المشهد نقلت قناة ١٢ عن نتنياهو قوله إنه يستعد لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله؛ ونقلت عن غالانت قوله إن الجيش صار جاهزاً لبدء عملية عسكرية واسعة في لبنان.. ثم مع دخول يوم أمس ساعات الليل شاع حديث داخل إسرائيل عن أن الكابينت سيجتمع بغضون ساعات لاتخاذ قرار مهم وهو جعل إعادة المستوطنين المبعدين إلى مستوطناتهم في الشمال، واحداً من أهداف الحرب الرسمية؛ ثم بعد ذلك بقليل تم توزيع خبر جديد يقول إنه تم تأجيل اجتماع الكابينت إلى يوم الإثنين، ثم بعد وقت وجيز، ورد خبر جديد يقول إن سبب التأجيل هو خلاف نشب داخل الكابينت حول الموقف الذي يجب اتخاذه بخصوص الجبهة الشمالية مع لبنان..
واضح أن مشهد أمس كما صاغته تصريحات نتنياهو وغالانت والتسريبات الإعلامية المختلفة؛ بدأ عصراً بسقف مرتفع وهو إعلان الذهاب للحرب ضد حزب الله في لبنان؛ ثم تواصل متصاعداً مع الإعلان عن أن الجيش الإسرائيلي مستعد لبدء الحرب على لبنان؛ ثم عاد مشهد الحرب ليتخذ منحى أخطر، حينما تم الإعلان عن الكابينت سيضيف على أهداف الحرب الرسمية الثلاثة هدفاً رابعاً بحيث يصبح هدف إرجاع مستوطني الشمال المبعدين لمستوطناتهم هدفاً رابعاً جديداً بالإضافة للأهداف الثلاثة القائمة الآن وهي: ١- إعادة الأسرى من يدي حماس؛ ٢- اجتثاث حماس عسكرياً وسلطوياً؛ ٣- ضمان عدم التهديد من غزة لإسرائيل..
غير أن مجمل هذا السقف العالي للمشهد الذي استمر بالتصاعد طوال ساعات مساء أمس؛ عاد مع اقتراب ليل أمس من انتصافه، إلى الهبوط ليتم الإعلان فجأة عن أن اجتماع الكابينت الذي وصف بأنه سيتخذ قرار صياغة الهدف الرابع الجديد للحرب، وقرار البدء بالحرب ضد لبنان، تم تأجيله؛ ومن ثم يعد ذلك بفترة وجيزة تم إعلان أن سبب تأجيله من يوم الأحد (اليوم) إلى يوم الإثنين، يعود إلى خلافات نشبت بين أعضائه حول الرؤية الخاصة بالحرب على لبنان..
ويستفاد من مشهد استعداد إسرائيل لبدء الحرب على لبنان كما تمت صياغته خلال ساعات ليل أمس؛ انه (أي هذا المشهد) حفل بصوت إسرائيلي مرتفع جداً في دعوته للحرب، ولكنه في الواقع لا يعبر بدقة عن حجم التصعيد العسكري الذي تريد إسرائيل فعله ضد لبنان. وأقله، فإن مشهد ليلة أمس عبر عن وجود ثلاثة أمور:
أولاً- لا يوجد إجماع داخل الكابينت على قرار البدء بحرب ضد لبنان؛ بدليل ان غالانت ونتنياهو وهاليفي قالوا عصر أمس إنهم حزموا أمرهم وسيذهبوا فوراً للحرب على لبنان، ثم بعد أقل من ٤ إلى ٥ ساعات أعلن الجميع أنهم مختلفون على هذا الموضوع بدليل انه تم تأجيل اجتماع الكابينت.
لقد قال خبر تأجل اجتماع الكابينت صراحة أن السبب هو وجود خلاف بين أعضائه على قرار الحرب!! وهذا الخبر يعتبر اعترافاً بأنهم لفظياً متفقين على خوض الحرب وعلى الإفادة السياسية من اتخاذ صورة الجندي المتأهب بخصوصها؛ ولكنهم فعلياً غير متفقين على حجم هذه الحرب ولا على توقيتها ووقتها، ولا على أهميتها والقدرة عليها.
ثانياً- في نفس الوقت الذي كانت فيه قنوات التلفاز الإسرائيلية تتحدث عن التوجه للحرب على لبنان، كانت هذه القنوات تبث خبر رسالة إدارة بايدن لإسرائيل بتجنب الحرب مع لبنان، وتبث أيضاً خبر وصول هوكشتاين خلال ساعات لبدء مباحثات مع لبنان حول الحرب على الجبهة الشمالية.
إن قراءة سياسية لكل هذه الأخبار توضح أن إسرائيل رفعت السقف أمس حتى تستغل زيارة هوكشتاين لأبعد حد؛ سواء على مستوى ابتزاز إدارته أو على مستوى دفعه للضغط أكثر على لبنان؛ كما أن تأجيل اجتماع الكابينت من اليوم الأحد إلى يوم الإثنين إنما يهدف أيضاً جعل مهمة هوكشتاين تتم على إيقاع التهديد بما سيتخذه الكابينت من قرارات قد تكون مجنونة.
واضح أن نتنياهو بشأن لبنان عاد إلى تنفيذ استراتيجية الإيحاء للعرب وللبنان بأن إبن الحي الأزعر (أي إسرائيل) جن جنونه في هذه المرحلة ويجب احتواء جنونه عن طريق تقديم بعض التنازلات له، حتى لا يخرب كل الحي..
ثالثاً- أظهر بث خبر إرسال هوكشتاين للمنطقة من جهة أخرى وبتفسير واقعي أن أميركا لا تزال ضد الحرب في لبنان؛ وهذا مربط الفرس في ملف توسعة الحرب الذي لن يكون ممكناً فتحه من دون رضا ودعم أميركي.
لكن قد يكون هناك أمر جديد في هذه الجزئية وهو أنه ربما كانت أميركا هذه المرة مشاركة بجزء من مناورة جنون الإسرائيلي الموحية بأن إسرائيل ستقترب من الحرب الإقليمية بنفس مقدار التأكد من صحة المعلومات الغربية التي تتحدث عن اقتراب إيران من أمرين: ١- تزويد روسيا بالصواريخ؛ ٢- امتلاك أسلحة نووية.