الهديل

خاص الهديل: بعد عام من ‘طوفان الأقصى’: تداعيات عميقة على الأمن والسياسة والاقتصاد في إسرائيل

خاص الهديل 

قهرمان مصطفى ..

في السابع من أكتوبر الماضي، هزت عملية “طوفان الأقصى” إسرائيل بشدة، محدثة صدمة غير مسبوقة في تاريخها الحديث منذ حرب أكتوبر 1973، والمعروفة أيضاً بحرب يوم الغفران عند القادة الاسرائليين؛ وعلى الرغم من مرور 11 شهراً على هذه الحملة، والتي تلتها حرب إبادة إسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، فلا تزال تداعيات “طوفان الأقصى” تلقي بظلالها على الوضع الداخلي الإسرائيلي.

النتائج الكارثية لتلك العملية على إسرائيل تُظهر صورة مقلقة. فالمقاومة الفلسطينية، رغم الدعم العسكري اللامحدود من الولايات المتحدة، قد ألحق بها أضراراً جسيمة، وأسفرت عن خسائر فادحة لم تُعلن عنها إسرائيل رسمياً، مما أحدث قلقاً واسعاً داخل المجتمع الإسرائيلي؛ وهذا القلق يتجلى في فقدان الثقة في قوة الدولة وفي الأوهام حول قوة إسرائيل وجيشها الذي لا يُقهر، مما دفع أعداداً كبيرة من سكان الجليل الأعلى وغلاف غزة والمناطق المجاورة إلى الهجرة إلى الداخل الإسرائيلي أو حتى خارج البلاد، مع تقديرات تشير إلى نحو مليون شخص!

الأزمة السياسية داخل إسرائيل تفاقمت مع تزايد الانقسام والرأي العام المناهض للحرب، حيث تصاعدت المظاهرات المطالبة بإنهاء النزاع والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين؛ وسهام الانتقادات اللاذعة طالت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث اتهمه العديد من جنرالات الجيش الإسرائيلي السابقين بجلب الخراب إلى البلاد وبتقويض الحكومة الديمقراطية؛ بينما الرسائل التي أرسلت إلى نتنياهو من هؤلاء الجنرالات كانت موجعة له، حيث طالبت بإقالته وتحميله المسؤولية المباشرة عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالجيش والأمن في اسرائيل.

على الصعيد الاقتصادي، تسببت تكلفة الحرب الباهظة في عجز كبير في الموازنة، مع تقديرات تتجاوز الـ100 مليار دولار. هذا الوضع أدى إلى تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وإجلاء سكان من مستوطنات “غلاف غزة” والنقب الغربي، وتعطيل المرافق العامة بما في ذلك المدارس والجامعات والقطاعات الاقتصادية مثل السياحة والضيافة.

بالمقابل، على الصعيد الدولي، فقدت إسرائيل جزءاً كبيراً من تأييدها الجماهيري العالمي، الذي كانت قد اكتسبته من خلال جهود دعائية سابقة. الانتقادات الدولية ازدادت حدة، حيث استنكر العديد من الأدباء والفنانين، من بينهم ستة فائزين بجائزة نوبل للسلام، عمليات القتل الجماعي في غزة وطالبوا بفرض حصار عسكري على إسرائيل لارتكابها جرائم حرب. تضامن الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة مع القضية الفلسطينية زاد من تعقيد وضع إسرائيل على الساحة الدولية.

الإعلام الإسرائيلي يعكس هذا الانزعاج من خلال تقارير مثل تلك التي نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت”، التي ناقشت الهجرة العكسية وشراء العقارات في الخارج تحسباً لـ”اليوم الأسود”. هذا المصطلح يشير إلى اعتقاد متزايد بأن مستقبل إسرائيل مهدد بشكل حتمي، وأن تفكك الكيان الصهيوني بات مسألة وقت.

وعلى هذ الصعيد تطرقت بعض الكتابات الحديثة إلى هذه القضايا، مثل كتاب “جريمة الغرب” للكاتبة الفرنسية فيفيان فورستيه، الذي يعيد تقييم جرائم الغرب بحق الشعب الفلسطيني ويؤكد على أن وجود إسرائيل نفسه هو نتاج جريمة تاريخية ارتكبها الغرب، وتستنكر فورستيه في كتابها دور الغرب في دعم المجازر التي ترتكبها اسرائيل، وتنادي بضرورة مواجهة هذه الجرائم بشكل جاد.

في المحصلة، تحتاج هذه الرؤية الجديدة إلى مزيد من الترجمة والنشر في العالم العربي، لتعزيز الوعي بالتاريخ والسياسة الجارية، ولطرح الأسئلة الصادمة التي تثيرها حول مسؤوليات الغرب والأوروبيين في هذه القضايا الإنسانية.

Exit mobile version