خاص الهديل ..
بقلم: ناصر شرارة
ربما يجد حزب الله الآن نفسه مضطراً لمراجعة الموقف والتدقيق بجملة من الأفكار. طبعاً واحدة من الأفكار التي سيقلبها الحزب على جنباتها الأربعة هي هل كان عليه يوم ٧ أكتوبر الدخول بحرب شاملة إلى جانب السنوار؟؟. وإلى جانبها هناك فكرة ثانية وهي هل كان عليه إيجاد طريقة أخرى لإسناد غزة غير فتح جبهة الجنوب، خاصة وأن توقيت البدء بهذه الحرب صممت في غزة وليس في حارة حريك.. قد يمعن السيد حسن نصر الله النظر الآن بكل هذه الأفكار وذلك انطلاقاً مما حصل ويحصل للحزب على أيدي جبهة الغرب التي تبين أنها تملك ساحات الكترونية واستخباراتية وعسكرية موحدة. وسيلاحظ في هذا الإطار الأفكار الأساسية التالية:
الفكرة الأولى أن إسرائيل رتبت حربها ضد حماس وفقاً لثلاث مراحل: الأولى قصف جوي وبري؛ والثانية دخول عسكري بري؛ والثالثة مرحلة جيك سوليفان (مستشار الأمن القومي الأميركي) وقوامها توجيه ضربات استخباراتية اجتثاثية لقيادات وعناصر وبُنى حماس العسكرية والسياسية والاجتماعية. وفي هذه المرحلة الثالثة التي يسودها إطلاق نار أخف ولكن ضحايا أكثر من بين صفوف حماس المؤثرة؛ تضع كل استخبارات دول الناتو كتفها المعلوماتي مع إسرائيل لجعل المرحلة الثالثة أو المرحلة جيم مجدية وفعالية ومؤثرة.
ما يكتشفه السيد نصر الله اليوم هو أن إسرائيل ومعها واشنطن بدأت حربها ضد حزب الله ولبنان انطلاقاً من المرحلة الثالثة (أو المرحلة جيم) أو مرحلة سوليفان.. وهذه الملاحظة يمكن رؤيتها بالعين المجردة من خلال ما حصل ويحصل فوق الميدان اللبناني الإسرائيلي منذ ٨ أكتوبر حتى الآن..
وواضح حالياً أن إدارة بايدن تقترح / بل تريد من نتنياهو أن يكتفي بالمرحلة الثالثة في حربه مع لبنان وضد حزب الله، بينما الأخير يريد أن تكون المرحلة الثالثة المدعومة من كل استخبارات الناتو والمؤيدة سياسياً من واشنطن، هي مدخل للبدء بالمرحلتين الأولى والثانية من الحملات الجوية والصاروخية الاستراتيجية والتوغل البري.
خلاصة القول في هذه النقطة ان هناك وحدة ساحات استخباراتية عالمية داعمة عملياً وسياسياً لإسرائيل؛ وجميع هذه الساحات متفقة ضمناً على خوض حرب المرحلة الثالثة أو المرحلة جيم ضد حماس، وحزب الله؛ وذلك بمقابل وحدة ساحات المحور التي منذ البداية يشوبها خطأ أنها لم تنسق مراحل الحرب بينها؛ ورأس خيط الخطأ في هذا المجال بدأ عندما قررت حماس عدم تبليغ حلفائها عن ساعة صفر المرحلة الأولى لحرب طوفان الأقصى..
الفكرة الثانية التي قد يكون حزب الله مدعواً للتفكر بها في هذه اللحظات التي يتم فيها شن حرب استخبارات شاملة ضده؛ هي عن طريقة المواجهة الأمثل؛ أو بكلام آخر كيف يمكنه التكيف مع تغير كل مسار الحرب؛ فالحزب يدرك أن “مصطلح حرب إسناد غزة” لم يعد بعد تطورات الأيام الثلاثة الأخيرة، هو كل العنوان الذي يمكنه توصيف أحداث الجبهة الشمالية التي انتقلت منذ يوم الثلاثاء لتصبح حرباً قائمة بذاتها، وتستوجب فتح جبهات إسناد لها..
طبعاً الحزب سيصر على التمسك بإبقاء عنوان حرب إسناد غزة بوصفه هو إسم المعركة المنخرط بها ضد إسرائيل؛ وهو ينطلق في ذلك من تصور سياسي أساسي؛ يتمثل بوضع أفق استراتيجي لجبهة ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، مفاده من جهة تأكيد وحدة مصير جهاد حزب الله مع حرب طوفان الأقصى؛ والإسهام بالضغط من جهة ثانية على إسرائيل لوقف النار في غزة وإنقاذها.
مفاجأة نتنياهو لحزب الله تمثلت خلال الأيام الأخيرة، بأنه يحاول الإيحاء بأنه انتهى عسكرياً من غزة وبدأ بنقل الثقل العسكري إلى الشمال مع حزب الله. وكل عنصر المفاجأة الذي استخدمه نتنياهو يكمن في أنه بدأ حربه على لبنان من نهاية الخطة المكونة من ثلاثة مراحل كما جرى كشفها خلال الحرب في غزة؛ أي أن نتنياهو بدأ من المرحلة الثالثة التي هي على عكس المرحلتين الأولى والثانية؛ لا يوجد خلاف حولها مع واشنطن.
.. بمعنى آخر بدأ نتنياهو حربه الشاملة على لبنان من الموقع الهجومي الوحيد الذي لا يوجد خلاف مع إدارة بايدن بشأنه؛ أي الموقع الذي يستنسخ المرحلة جيم أو المرحلة الثالثة في خطة الحرب على غزة؛ علماً أن هذه المرحلة الثالثة الاستخباراتية والتي تطبق اليوم ضد لبنان على نطاق واسع هي من تصميم وإخراج مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.