خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه أمس تعليقاً على مجزرتي يومي الثلاثاء والأربعاء (تفجيرات وسائل التواصل التي يحملها عناصر الحزب) عدة أمور يمكن التوقف عندها باعتبارها عوامل جديدة داخل بنية التفكير الخاصة به، والتي باتت نمطية بحيث اعتاد المراقبون توقعها طوال المرحلة الماضية:
العامل الأول هو إعلان السيد نصر الله ذاته بأنه سيغير هذه المرة أسلوبه وطرائقه في تشكيل رد فعله على مجزرة يومي الثلاثاء والأربعاء، لأن المرحلة التي يمر بها الصراع مع الكيان الصهيوني تتسم بأنها حساسة واستثنائية…
هذه العبارات تنطوي على مؤشر لافت مفاده أن السيد نصر الله يريد هذه المرة “التحرر” من وضع رده على مجزرتي الثلاثاء والأربعاء تحت رادار انتظار جمهور الحزب والوضعين اللبناني والإسرائيلي له (أي انتظارهم لرده)..
.. ببساطة ظهر نصر الله من خلال هذا الطرح، أنه هذه المرة قرر عدم الدخول في معادلة أو نمطية توجيه إنذار لإسرائيل بأن عليها أن تقف على “رجل ونصف” بانتظار الرد الذي سيأتيها من المقاومة، وبدل ذلك قرر نصر الله هذه المرة القول بأن الرد الأهم هو الرد السياسي وهو تحقق ويقوم بإعلانه للتو أما الرد العسكري فهو آت، ولكن ضمن سياق سياسي استراتيجي تمليه حقيقة أن الصراع في هذه المرحلة يمر بحساسية بالغة وبتحولات غير مسبوقة؛ وكل هذا يحتم على الحزب تغيير أسلوب مقاربة الأحداث، وترك أسلوب فعل مقابل فعل ورد مقابل رد، الخ..
ثانياً- برزت بلا شك تبدلات جديدة في الذهنية التي اعتاد أن يتشكل منها طوال أكثر من عقدين سابقين الخطاب السياسي لنصر الله؛ ومن هذه التبدلات اعترافه بشكل من الأشكال، بأنه في هذه اللحظة هو “أمين عام مرحلة جديدة تواجه حزب الله”.. ودلل على أن هذه المرحلة الجديدة تمتاز – مثلاً – بدخول الحرب السيبرانية إلى ميدان المواجهة من أوسع الأبواب؛ ما حتم على المقاومة خوض حرب غير متكافئة مع طفرات تكنولوجية متطورة تملكها إسرائيل والناتو.
اكتشف حزب الله بعد مجزرة يومي الثلاثاء والأربعاء أن تطور السلاح السيبراني لا يستعمل فقط لضرب أهداف هامة؛ بل يستخدم أيضاً كسلاح استراتيجي لحسم حرب بكاملها، أو بأقل تقدير لحسم جولة كاملة داخل حرب شاملة.
وهذا التطور على مستوى السلاح السيبراني يجعل حزب الله يقف أمام أن عليه مراجعة استراتيجيات المواجهة مع إسرائيل كما مارسها منذ انطلاقته حتى الآن: سيكون على الحزب إما العودة إلى ألف باء عمل المقاومة (أي حرب الأنصار التي تعتمد على نظريات المقاومة الشعبية المسلحة – مجموعات تعمل وفق نظرية إضرب وإهرب، الخ…- وليس المقاومة العسكرية التي تشبه جيشاً كلاسيكياً كحال مقاومة حزب الله حالياً)؛ وإما ذهاب حزب الله إلى حرب سباق تسلح سيبراني مع إسرائيل بل ومع كل الغرب؟؟، وهذا أمر يبدو مستحيلاً لفارق الإمكانات الكبير؛ وإما الوصول إلى صيغة اعتماد استراتيجية مواجهة تجمع بين الصيغتين – مواكبة الحرب السيبرانية من جهة والعودة لصيغ المقاومة الشعبية المسلحة من جهة ثانية، مع الاحتفاظ أيضاً بهياكل المقاومة العسكرية من جهة ثالثة -؛ وسيكون هذا الأمر بحاجة لإمكانات كبيرة ولإبداع على مستوى انتاج الأفكار.
أمس أعاد نصر الله التذكير بأبجديات المقاومة كما مارسها الفيتناميون والفلسطينيون في البدايات؛ وذلك عبر لفته للنظر إلى أن لها طريقة عمل ومنهج تفكير تختلف عن بنية عمل ونهج تفكير جيوش الدول. وأراد من وراء ذلك إيصال رسالة قد تكون موجهة لعدة جهات؛ من بينهم جمهوره وحلفاؤه الذين يطالبونه بالرد بمنطق العين بالعين؛ وهؤلاء ذكّرهم نصر الله أمراً كان تم نسيانه حتى داخل الحزب، وهو أن للمقاومة منطقها الذي يناسب حقيقة أن ديناميتها القتالية هي المرونة وتجنب كسر الإناء الجميل.. وذات هذه الرسائل موجهة لإسرائيل وذلك عندما أعلن أن المقاومة لديها مصلحة عسكرية حينما يفكر العدو بالدخول إلى أرضها واحتلالها. وصف نصر الله الجنرال الإسرائيلي صاحب فكرة احتلال أراض في جنوب لبنان، بأنه غبي استراتيجياً، وأن توصياته لو تم تطبيقها، ستفيد المقاومة؛ وهنا يتحدث نصر الله عن صيغة المقاومة الشعبية التي تقاتل وراء خطوط العدو وليس المقاومة العسكرية التي كان تحدث نصر الله عن أنها ستقاتل العدو بأسلوب التصدي الكلاسيكي له.