الهديل

خاص الهديل: الحرب الإسرائيلية الثالثة على لبنان: استراتيجية إخافة كل المنطقة..

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

عام ١٩٨٢ انتهت حرب إسرائيل الكبرى الأولى على لبنان بمجازر ضد اللبنانيين والفلسطينيين واحتلال أول عاصمة عربية والاستمرار بإقتطاع الشريط الحدودي في الجنوب الذي تم تفكيكه عام ٢٠٠٠.

 

آنذاك خلال عام ١٩٨٣ كان السؤال هو أنه طالما إسرائيل نجحت في إبعاد صواريخ الكاتيوشا التي بحوزة ياسر عرفات ليس فقط إلى ما بعد الليطاني، بل إلى ما بعد تونس، وطالما أنها نجحت في ضمان “أمنها” – حسب لغة خطابها السياسي – فلماذا تستمر بالسيطرة على شريط الجنوب الحدودي وتحتل أرضاً لبنانية؟؟.

 

ولاحقاً تم نشر وثائق عن النقاش الإسرائيلي الذي دار في تلك الفترة؛ وأظهر هذا النقاش أن تل أبيب كانت متيقنة أنه في تلك الفترة لم يكن هناك حاجة أمنية لاستمرار وجود جيشها المحتل في الشريط الحدودي اللبناني؛ ومع ذلك أخذت قراراً بعدم تفكيك هذا الشريط؛ والسبب الذي دفعها لذلك هو سبب غريب وقوامه التالي: فكر الإسرائيليون حينها بأنه إذا أخذت تل أبيب قراراً بالانسحاب من الشريط الحدودي، فقد يفسر البعض في المنطقة أنها انسحبت لأنها تشعر في عمق تفكيرها بأنها ضعيفة؛ أو قد يأخذ البعض في المنطقة انسحابها هذا، كدليل على أن إسرائيل ستكون مستعدة فيما لو توفر ظرف ما، لأن تقدم تنازلات ولأن تنسحب من أراض محتلة أخرى، بدليل أنها انسحبت من أرض لبنانية. 

 

تبدو هذه الطريقة بالتفكير غريبة وغير مفهومة رغم أنها تؤكد ملاحظات موجودة منذ العام ١٩٤٨، وهي أن إسرائيل بنت قاعدة وجودها وفلسفتها على أساس قدرتها على إقناع الآخر، وخصوصاً العرب، بأنها تمتلك قوة لا يمكن تخيل حدودها. وتعتبر تل أبيب أنه بمجرد أن يدعي طرف في المنطقة أنه يملك تخيلاً عن حدود قوة إسرائيل فإنه يتوجب أن ينال عقابه على وجود هذا التفكير؛ وأن يشكل هذا التفكير سبباً كبيراً كي تتحرك إسرائيل وتقضي عليه وتثبت له وللذين حوله أن قوة إسرائيل ليس لها حدود، وهي مطلقة في المنطقة، وأن إسرائيل لا يمكن أن تفكر بالتنازل لأنها قوية ولا يمكن أن تنسحب لأنها قوية ولأنها لا تريد أن تقوم بأي تصرف يوحي بأنها غير قوية أو أن هناك حدوداً لقوتها.

 

.. ما يفعله نتنياهو اليوم ومعه قوى أقصى اليمين وأيضاً قوى أقصى الليبراليين في إسرائيل، هو أنه يريد تصحيح تفكير شارون عندما اعتبر عام ٢٠٠٥ أن أمن إسرائيل يوجب عليها الانسحاب من غزة ومن مستوطنة نتساريم؛ وما يطرحه نتنياهو الآن هو عودة احتلال غزة، وذلك ليس فقط لأنه يريد التوسع جغرافياً، بل لأن إسرائيل تريد القول للفلسطيني وللعربي إنها قوية بدليل أنها لا تزال تستطيع أن تنفذ سياسات احتلالية.. 

 

.. ويريد نتنياهو اليوم العودة أيضاً لاحتلال الشريط الحدودي في لبنان، ليس لأنه يريد إبعاد صواريخ حزب الله عن الجليل الفلسطيني المحتل، فهو يعرف أن مدى صواريخ الحزب تصل إلى ٢٠٠ كلم، ولكنه يريد إعادة الاحتلال لهذه المنطقة حتى يقول للعرب وللفلسطيني إن إسرائيل لا تزال قوية وأن قوتها من دون حدود.. 

 

الواقع أن ايديولوجيا القوة تسير داخل المشروع الصهيوني منذ ابتداعه، جنباً إلى جنب مع ايديولوجية الاستيطان والتوسع التوراتي الميسحاني الجابوتنسكي، الخ.. 

 

عام ١٩٢٣ كتب جابوتنسكي مقاله الشهير (الجدار الفولاذي) ودعا فيه إلى “احتكار العرب بتهذيب” وإلى إفهامهم في كل لحظة – وليس فقط في كل مناسبة – انه يجب عليهم أن يخافوا من إسرائيل.. أحد الصحفيين الإسرائيليين الحاليين يقول بعد نحو مائة عام من كتابة جابوتنسكي لمقالته الشهيرة – يقول: إسرائيل حالياً تفكر باتجاهين أساسيين: الأول أنه يجب أن تترك انطباعاً لدى العرب بأنها متوحشة وتمارس جنون القوة، ذلك أن المطلوب أن يخاف العرب من توحش وجنون إسرائيل.. أما الإتجاه الثاني فهو يتمثل بجعل الغرب يحب ويحترم إسرائيل..  

 

.. ولكن الصحفي المذكور يعترف أن هناك صعوبة في الجمع بين هذين الأمرين؛ ذلك أن التوحش في المنطقة يقوض صورة أن يحبنا الغرب؛ كما أن إرضاء الغرب عبر التوقف عن ممارسة سياسات متوحشة في الشرق الأوسط، سيقوض صورة الردع الإسرائيلية في المنطقة!!.

 

والواقع أن الحرب التي يتدرج نتنياهو اليوم في شنها ضد حزب الله وضد لبنان تهدف إلى إرسال رسالة لكل المنطقة تقول يجب أن تعودوا إلى “كهف الخوف من إسرائيل المتوحشة” والتي تستعد لإعادة احتلال أرض من لبنان ليس لأن ذلك يخدم هدف حرب إسرائيل مع لبنان كما أعلنه نتنياهو قبل أيام؛ بل لأن ذلك يعطي الانطباع في المنطقة بأن إسرائيل قوية، ويجب الخوف منها وعدم مطالبتها بأي تنازل للفلسطيني ولا من أجل السلام.، الخ. 

إن نتنياهو لا يخوض مع لبنان فقط معركة “استعادة الأمن لمستوطني شمال فلسطين المحتل” (ودائماً حسب المصطلحات الإسرائيلية)؛ فهذه ليست كل معركته وليست جوهر معركته؛ فهو بالحقيقة يخوض معركة ترسيخ صورة الردع الإسرائيلي في كل الشرق الأوسط، وذلك بمواجهة كل دوله الكبرى بدون استثناء..

Exit mobile version