خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يقول الرئيس الأميركي بايدن إنه حذر نتنياهو من أنه في حال نفذ عملية اغتيال أمين عام حزب الله فإن ذلك سيشعل حرباً إقليمية.
هذا الخبر نشرته إحدى كبريات الصحف الأميركية، وجاء فيه أيضاً أن الرئيس الأميركي طلب من نتنياهو التوقف عن اللعب بالنار؛ علماً أن بايدن كان سرب أن البيت الأبيض لم يكن يعلم مسبقاً بعملية اغتيال السيد نصر الله.
إذا صدقنا هذا الخبر حول ما طلبه بايدن من نتنياهو بشأن اغتيال السيد نصر الله، يصبح لدينا انطباعاً – والبعض يسميه قناعة – بأن نتنياهو يدير ظهره دائماً لنصائح بايدن وحتى أنه يدوس على طلبات بايدن؛ فلقد قال بايدن لنتنياهو لا تغتال السيد نصر الله، ومع ذلك أقدم نتنياهو على اغتياله؛ وقال بايدن لنتنياهو لا تدخل رفح ولا تحتل فيلادلفيا، ومع ذلك توغل نتنياهو في رفح واحتل فيلادلفيا، وداس على ملاحق اتفاق كامب ديفيد؛ وقال له وقع على صفقة غزة مع حماس وعلى اتفاق وقف النار مع حزب الله؛ وبدل أن يفعل نتنياهو ذلك فهو ذهب واغتال إسماعيل هنية رئيس حماس واغتال السيد نصر الله أمين عام حزب الله!!.
أكثر شخص في العالم استفاد من أن الأميركيين ينظرون إلى بايدن بوصفه يعاني من عدم اتزان في إدراكه وخلل في عقله؛ هو نتنياهو.. وكل تصرفات الأخير مع بايدن توحي بأنه يحرص على تصويره؛ وأيضاً يحرص على إظهار أنه يعتبره شخصاً مختلاً عقلياً وأن مكانه الحقيقي، يجب أن يكون المصح العقلي وليس البيت الأبيض.
وحالياً يطلب بايدن من نتنياهو عدم القيام بعملية برية في لبنان؛ وهذا الطلب لا يجب أن يدخل الطمأنينة إلى قلب اللبنانيين؛ بل يجب أن يحتم على لبنان أن يضع يده على قلبه؛ لأن من يطلب ذلك من نتنياهو ليس رئيس الولايات المتحدة الأميركية، بل بايدن المختل عقلياً والذي حتمت عملية احترام حكم الدستور أن يكون في هذه الفترة موجوداً في البيت الأبيض وليس في المصح العقلي.
.. بطبيعة الحال سوف يعلن نتنياهو تلميحاً بأنه لن يأخذ بنصيحة مجنون البيت الأبيض؛ بل سيعتبر رأي بايدن المختل عقلياً بالامتناع عن التوغل البري، بمثابة أكبر دليل على أنه يجب على إسرائيل أن تتوغل برياً في لبنان وأن تعمل بعكس نصيحة المجانين!!.
السؤال هنا بعد كل هذا التجاوز الكبير من قبل نتنياهو لما يريده الرئيس الأميركي بايدن هو: هل فعلاً يستغل نتنياهو الانطباع العام السائد في الولايات المتحدة الأميركية بخصوص أن بايدن ناقص العقل ومختل الإدراك، وبالتالي يقوم نتنياهو بالدوس على طلباته تحت حجة أنه “لا رأي لمجنون”، ومستفيداً من واقع أن المجتمع السياسي الأميركي يتفهم لماذا نتنياهو “الذكي” يتجاهل طلبات بايدن “المختل عقلياً”؟؟.
.. وبعيداً عن خلفيات العلاقة بين نتنياهو وبايدن؛ تبرز هناك حالة من عدم التمكن من الإجابة على عشرات الأسئلة التي تتعلق باغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.. وأسباب عدم الإجابة ليس الرغبة بالامتناع عن توجيه الاتهامات السياسية أو عدم الرغبة بالغوص بمتاهات البحث عن مصادر الخروقات الأمنية؛ بل بالأساس لأن هذا الاغتيال هو حدث حصل بسرعة البرق سياسياً (وليس المقصود هنا فقط أمنياً)، رغم أن ماهيته تختزل كل ما شهده التاريخ من حوادث الاغتيالات وحكايا المؤامرات وقصص التحولات السياسية والاستراتيجية.
هناك نوع من الأحداث يمكن أن يطلق عليه تسمية أو مصطلح “الحدث المكثف”؛ أو ما يسمونه “بالحدث التاريخي”.
اغتيال السيد حسن نصر الله ينتمي لهذا النوع من الأحداث.. التوقيت مكثف سياسياً واستراتيجياً؛ هو قبيل فترة قصيرة من عقد الإنتخابات الرئاسية الأميركية؛ وبعد فترة قصيرة من عقد انتخابات رئاسية جرت على وجه السرعة في إيران؛ وكان سبب عقدها وفاة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي وحلول الرئيس الإصلاحي مكانه مسعود بزشكيان.
.. وجاء أيضاً حدث هذا الاغتيال في الفترة الواقعة بين توقيت ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ الذي شهد هجوم طوفان الأقصى من قبل حماس وتوقيت ٨ أكتوبر ٢٠٢٣ الذي شهد قرار السيد نصر الله ببدء عملية إسناد غزة. وهذان التوقيتان تحولا إلى حربين كبيرتين؛ ووقع بينهما وعلى الجسر الموصل بينهما، زلزال اغتيال السيد حسن نصر الله.
..بين هذين التوقيتين (٧ و٨ أكتوبر ٢٠٢٣) توجد فقط مسافة ٢٤ ساعة وفق التوقيت الزمني الصرف؛ ولكن وفق التوقيت السياسي يوجد عام كامل من الصراع الإقليمي والجيوسياسي والدولي.. فالمعيار الزمني لقياس هذه المرحلة يبدأ بين لحظة اتخاذ السيد نصر الله قرار حرب إسناد غزة ولحظة استشهاده داخل حرب إسناد غزة.
يجدر التمعن بدقة بالأحداث التي جرت، وبالتحولات التي حصلت، وبالأمور الدولية والإقليمية التي تقاطعت أو تنافرت، خلال الفترة التي فصلت بين يومي ٨ أكتوبر ٢٠٢٣ و٢٧ أيلول ٢٠٢٤، أي بين يومي اتخاذ السيد نصر الله قرار فتح حرب إسناد غزة وحدوث لحظة استشهاده داخل حرب إسناد غزة.
والواقع أنه باغتيال السيد نصر الله لا يمكن الجزم بأنه انتهى صراع التوقيتات الإقليمي والدولي الذي فتحه يوم ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، ليبدأ في أثره الصراع التقليدي على اليوم التالي في المنطقة. وهذا يقودنا إلى التوقع بأنه قد يحتاج الواقع الجيوسياسي في المنطقة بعد اغتيال السيد نصر الله لحرب حتى تستوي تضاريسه التي صدعها الزلزال؛ وبالمقابل – ربما – قد يحتاج إلى استكمال تسوية كبرى يقع ضمن مقدماتها الحدث المكثف، أو الحدث التاريخي المتعلق باغتيال السيد حسن نصر الله.