الهديل

خاص الهديل: لماذا يخفي نتنياهو الإسم الحقيقي لخطة الحرب الإسرائيلية الثالثة الحالية على لبنان!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

ماذا يعني مصطلح “توغل بري محدود” الذي يتم استخدامه على نحو واسع في الخطابين السياسيين الإسرائيلي والأميركي؟.

.. بداية مصطلح “توغل بري”، مفهوم وواضح سياسياً وقانونياً وعسكرياً؛ وهو يعني تجاوز الحدود الدولية من قبل دولة لدولة أخرى، ما يعني على الواقع اللبناني أن إسرائيل تدوس على خط الهدنة بين لبنان وفلسطين المحتلة للعام ١٩٤٨؛ ويعني أيضاً تجاوز الخط الأزرق ودوس إسرائيل على القرار ١٧٠١؛ وهنا يشبه عدم إحترام إسرائيل للقرار ١٧٠١ عدم احترامها لملاحق اتفاق كامب ديفيد بينها وبين مصر وذلك عندما احتلت محور فيلادلفيا.. وبالأساس يعني مصطلح التوغل البري في الحالة اللبنانية اعتداء إسرائيل على سيادة لبنان وقيامها باحتلال أراض فيه. 

ومجمل هذا الواقع يعني استراتيجياً أمراً أساسياً وهو العودة إلى مرحلة ما قبل العام ٢٠٠٠؛ أي العودة إلى فترة ما بين العام ١٩٨٢ والعام ٢٠٠٠؛ وللتذكير فإن تلك الفترة شهدت غزو إسرائيل للبنان الذي بدأ تحت عنوان الوصول لخط الأولي وانتهى بالوصول إلى بيروت؛ وما تبع ذلك من مجازر داخلية لبنانية وفلسطينية واغتيال الرئيس بشير الجميل وحرب إسقاط اتفاق ٧ أيار.. وداخل هذه المرحلة التي انتهت فيها مقاومة الفلسطينيين انطلاقاً من لبنان، ولدت مرحلة ولادة مقاومة حزب الله.

وإذا كان صحيحاً أن التاريخ معلم؛ وإذا كان صحيحاً أن التاريخ يكرر نفسه من دون ملل؛ وإذا كان صحيحاً أن الواقع الجيوسياسي هو ميدان حاكم لا مرد لأمره السياسي شبه المقرؤ مسبقاً؛ فإن كل ما تقدم يقود لاستنتاج أساسي لا مفر من حدوثه مستقبلاً؛ وهو أن توغل نتنياهو للبنان سيؤسس لعودة الوضع بين لبنان وإسرائيل إلى تلك المرحلة التي كانت سائدة خلال الفترة الممتدة من العامين ٨٢ – ٨٣ لغاية العام ٢٠٠٠. 

الأمر الثاني الذي سيتكرر بفعل توغل نتنياهو العسكري البري في لبنان؛ هو أن مجريات حرب العام ١٩٨٢ ستحدث هي ذاتها مرة أخرى. ويجدر التوقف عند هذه النقطة من خلال تسليط الضوء على الواقعة أو المقاربة التالية: 

ان مصطلح “محدود” (أي توغل محدود) هو مصطلح يعني لفظياً عدم التوسع في الغزو البري لا زمنياً ولا جغرافياً؛ وهذا المصطلح يتم استخدام معناه اللفظي الشكلي، وذلك بهدف تلطيف الموقف الأميركي المؤيد للتوغل البري أو بالأحرى للغزو البري الإسرائيلي للبنان. وتريد واشنطن التلطي وراء مصطلح “المحدود” حتى توحي لفظياً أنها لا تزال عند موقفها الداعم لوحدة أراضي لبنان واحترام سيادته؛ ولذلك هي وافقت فقط على توغل بري إسرائيلي محدود وليس حرباً برية ضد أراضيه. 

بعبارة أوضح فإن مصطلح “محدود” هي “الفخ” السياسي والدبلوماسي الذي تنصبه تل أبيب بالتواطؤ مع إدارة بايدن ضد أمن لبنان بكليته.

.. في العام ١٩٨٢ أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية ضد لبنان إسم “سلامة الجليل” (أو السلام للجليل)؛ وكان الهدف المعلن لهذه العملية أنها ستقوم بتوغل عسكري بري يصل إلى خط نهر الليطاني كحد أدنى وخط نهر الأولي كخط أبعد؛ ولكن لاحقاً تم اكتشاف أنه داخل خطة الحرب في العام ١٩٨٢ المعلنة، كان أرييل شارون وزير حرب مناحيم بيغين آنذاك، يخفي خطة حرب مضمرة وخاصة به، وكانت هي الخطة الحقيقة؛ وأطلق عليها تسمية “خطة ثلج”؛ ترميزاً إلى أن الخط الذي سيصل إليه الجيش الإسرائيلي في تلك الحرب هو جبال لبنان؛ أي أن الهدف هو السيطرة على أبعد نقطة في لبنان، وليس فقط إبعاد مستوطنات الشمال عن مدى كاتيوشا ياسر عرفات. 

خلال تدحرج أهداف حرب ١٩٨٢ تبين أن الخطة الحقيقية لحرب “ثلج” هي إبعاد كل منظمة عرفات وترسانته إلى خارج لبنان، ووضع اليد السياسية الإسرائيلية على بلد الأرز. 

وللمفارقة يتضح الآن أن الخطاب السياسي الإسرائيلي الرسمي أطلق مع بدء نقل الثقل العسكري الاسرائيلي من الجنوب مع غزة إلى الشمال مع لبنان تسمية خطة “سهام الشمال” على الضربات الأمنية المتتالية التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله؛ ثم بعد اغتيال السيد حسن نصر الله؛ غيرت حكومة نتنياهو هذا الإسم للخطة ليصبح “ترتيب سياسي” (ظهرت هذه التسمية في بعض الإعلام العبري لفترة قصيرة)؛ وربما المقصود باختيار هذه التسمية الدلالة على أن نتنياهو انتقل من العمل الأمني الجراحي ضد حزب الله إلى العمل العسكري ذي الأهداف السياسية في لبنان التي على رأسها هدف معلن وهو في هذه المرحلة إبعاد ترسانة حزب الله إلى ما بعد خط الليطاني. 

ولكن إطلاق تسمية “ترتيب سياسي” أو “أسهم الشمال” على خطة حرب أيلول ٢٠٢٤ تشبه إطلاق تسمية “سلامة الجليل” على خطة حرب ١٩٨٢؛ وما يجب البحث عنه اليوم هو الإسم الفعلي والحقيقي لخطة حرب نتنياهو الحالية؛ أي أن السؤال الذي يحتاج لإجابة عنه الآن هو “ما هو عنوان الحرب الحالية الذي يضمره نتنياهو والذي يوازي عنوان “ثلج” الذي ضمره شارون في حرب ١٩٨٢؟؟”..

لاشك أن هناك عدة حقائق لا يمكن القفز عنها عند الحديث عن توغل بري إسرائيلي في لبنان؛ بغض النظر عن الواقع الحالي لحزب الله بعد اغتيال أمينه العام وبعد تلقيه ضربات أمنية بنيوية: 

الحقيقة الأولى أنه لا يوجد شيء إسمه توغل محدود في لبنان لأنه بالأساس لا يوجد شيء إسمه حرب إسرائيلية صغيرة في الشمال؛ أي حرب برية في الشمال ستنتج من لدنها ومن ذاتها خصائص تحولها لحرب كبرى أو أقله ستنتج تداعيات تدخلات كبرى فيها كما حدث خلال وبعد حرب ٨٢. فهذا النوع من الحروب ينتج حتماً مراحل من الحروب المتتالية وليس أمناً مستداماً كما اعتقد شارون عام ٨٢، وكما يعتقد نتنياهو اليوم عام ٢٠٢٤.

 

الحقيقة الثانية – أن نتنياهو يريد عبر توغله الذي يسميه زيفاً محدوداً أن يحول هذا التوغل إلى نافذة يطل منها على مشروعه الإقليمي؛ والحق يقال أنه ربما قدر نتنياهو السياسي العاثر، هو الذي يجره كأعمى مفتح العينين ومأخوذ بنشوة إنجازاته الأخيرة، إلى هذه المصيدة. 

ويجدر بخصوص هذه النقطة التركيز على عامل هام وخطر وواضح للغاية رغم غموضه من منظار البعض؛ ومفاده أن نتنياهو في قرارة نفسه يعتبر أنه على عكس معظم أسلافه من زعماء إسرائيل الذين أتوا إلى السياسة من كونهم جنرالات عسكريين؛ فهو يعتبر أن أهميته تكمن من كونه “جنرالاً استراتيجياً بمكانة زعيم سياسي استثنائي”. وعليه فهو يعتقد أن بصيرته الاستراتيجية تسبق جنرالات إسرائيل العسكريين؛ وهي تقودهم لأنها ترشدهم وتصحح لهم أخطاءهم. والواقع أن هذا التفكير سيدفع نتنياهو في هذه المرحلة المنظورة للاعتقاد القاتل بأنه كجنرال استراتيجي وكزعيم سياسي استثنائي يستطيع أن يرسل جنرالاته إلى أبعد نقطة في المنطقة ليزرع علم النصر الإسرائيلي عليها.. غير أن نتنياهو في رؤيته هذه يتجاهل أن إسرائيل هي “دولة” صغيرة لديها قدرات عسكرية أميركية كبيرة؛ وهو سيغامر حينما يجعلها تمارس دوراً امبراطورياً في منطقة الشرق الأوسط ما يبرز ضآلتها الجيوسياسية داخل هذه المنطقة وما يعرضها لأن تختنق داخل تضاريسها الحادة وعواصفها العاتية!!.

باختصار إسرائيل تنتقل من الحرب مع جوارها اللصيق بها إلى الحرب مع اتساعات الجغرافيا والتاريخ في المنطقة؛ وهذه حرب إمبراطورية فوق طاقتها، وحتى فوق طاقة أميركا.

Exit mobile version