الهديل

خاص الهديل: إسرائيل تواجه أربع فصول من التحديات الاستراتيجية الضخمة في يوم واحد!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

لا يمكن لأي محلل سياسي إسرائيلي مهما بلغت عمق تجربته وخبرته أن يقدم وصفاً دقيقاً للمشهد الإسرائيلي كما ارتسمت صورته يوم أمس ١ تشرين ٢٠٢٤.

عند صباح يوم أمس كان الخبر الأساس والأهم داخل إسرائيل هو بدء عملية التوغل البري ضد لبنان؛ وجرى الحديث عن عمق التوغل وعن مراحله؛ وتم حبس الأنفاس هناك لمعرفة كيف ستحدث الصدمة الأولى بين الجيش الإسرائيلي المتوغل وبين مقاومي حزب الله الذين يتحرى الموساد عن حالتهم العسكرية والمعنوية بعد اغتيال أمين عام الحزب السيد نصر الله، وبعد سلسلة الضربات الأمنية التي تعرض لها حزب الله.

.. غير أنه فجأة تغير العنوان الأهم في إسرائيل وذلك بعد سقوط صاروخ أو صواريخ في الشارع ٦ الذي يشق تل أبيب إلى قسمين؛ وصار السؤال الذي يشغل بال الإسرائيليين ليس كيف يتطور التوغل البري على الحدود مع لبنان وعلى جبهة اختبار ما تبقى من قوة حزب الله العسكرية؛ بل ماذا يعني أنه بعد كل هذه الضربات التي تلقاها الحزب، فهو لا يزال يقصف تل أبيب بصواريخ بعيدة المدى؟.

إستمر هذا العنوان مسيطراً لساعات على التفكير السياسي والشعبي والإعلامي في إسرائيل؛ ولكن مرة ثالثة وعلى نحو حاد حصل حدث ثالث أخذ أضواء الإهتمام العام في إسرائيل إلى مكان جديد وهو متابعة عملية يافا التي قام خلالها فلسطينيان بتنفيذ عملية أسفرت عن قتل وجرح عدد من الإسرائيليين.

.. لقد غير الإعلام الإسرائيلي عنوانه الرئيسي ولم يعد من معنى قصف الشارع ٦ وسط تل أبيب بصواريخ حزب الله؛ بل أصبح ماذا يعني نجاح فلسطيني بتنفيذ عملية يافا؟؟.

وضمن هذا الإطار تساءلت إسرائيل أيهما أخطر صواريخ حزب الله(؟؟)، أم قوة الرضوان وأنفاقها على الحدود الشمالية مع لبنان(؟؟)، أم الفلسطيني المقيم بين ظهراني مجتمع الاستيطان الصهيوني(؟؟)!!

وعند الليل من نفس اليوم حدث الخبر الرابع الأكبر الذي شد للمرة الرابعة في خلال ١٢ ساعة انتباه إسرائيل الاستراتيجي لمكان جديد، وهو قصف إيران لإسرائيل للمرة الثانية في أقل من نصف عام!!

بلغ عدد الصواريخ ١٨١ صاروخاً عبروا البحر ودول أخرى من إيران وسقطوا في مناطق عدة داخل فلسطين المحتلة؛ القناة ١٢ العبرية قالت إن عملية القصف الإيراني هذه المرة لإسرائيل كانت أقوى مرتين من عملية القصف الإيراني السابقة.

تابعت إدارة بايدن كما قالت عملية القصف الإيراني لحظة بلحظة، ووصفتها أخيراً بأنها لم تكن فاعلة؛ وتم تفسير هذا الوصف بأنه يريد القول لإسرائيل إنه يجب عدم توسيع ردها على رد إيران. وفي طابق تحت الأرض في “الكرباه” اجتمع نتنياهو مع غالانت وضباطه الأمنيين وقرروا أن الرد حتمي ولكن بالزمان والمكان المناسبين.

ما يلفت النظر في أحداث يوم ١ تشرين ٢٠٢٤ هو أن إسرائيل خلاله؛ أي خلال يوم واحد فقط؛ عاشت أربعة فصول مختلفة – ولكن كلها ضخمة – من الأحداث الأمنية والعسكرية؛ مما اضطر كل منظومة إعلامها وأحزابها وجيشها وأمنها ومزاج التتبع السياسي الشعبي داخلها إلى أن تغير عدة مرات في غضون أقل من ٢٤ ساعة، مركز اهتمامها الاستراتيجي من مكان إلى مكان؛ وهذا الأمر يقود لاستنتاج أساسي وهو أنه ليس صحيحاً بالعمق أن نتنياهو يقود الأحداث في المنطقة، بل الصحيح أن أحداث المنطقة وردود فعل المنطقة على التغول الإسرائيلي الإجرامي، هي التي تجر إسرائيل ورائها وتجعلها كياناً يعيش في اليوم الواحد أربعة فصول من الحقائق الاستراتيجية المختلفة والصادمة لها؛ علماً أن كل واحدة من هذه الحقائق يأتي من مكان مختلف جغرافياً وسياسياً وثقافياً وعسكرياً؛ ولكن جميع مصادر ردود الفعل هذه تشترك بأنها تقف بوجه محاولة نتنياهو استعادة صورة الردع الإقليمي لإسرائيل.

 

بعد ٤ أيام يصبح عمر حرب طوفان الأقصى عاماً بالتمام والكمال؛ والنتيجة التي يجب أن تخلص إليها إسرائيل بعد قتل وجرح نحو ربع مليون فلسطيني ولبناني وسوري ويمني وعراقي هي أنها أولاً لن تستعيد صورة انها “قبضاي حي الشرق الأوسط”؛ وأنها ثانياً لن تستطيع أخذ المنطقة إلى فصل الردع الإسرائيلي؛ بل ما يحصل يؤكد أن المنطقة هي التي تجعل إسرائيل وأمنها يعيشان في اليوم الواحد تداعيات أربع فصول من ردود فعل الشرق الأوسط على اعتداءاتها.

سيكتشف نتنياهو – ومعه المنطقة والغرب – أنه لن يستطيع أن يرسم أحداث المنطقة؛ وأنه لن يكون بمقدوره أن يقود أحداث المنطقة، لمجرد أنه نجح في اغتيال حزب الله أمنياً؛ واغتيال أمينه العام؛ فقصة توجيه أحداث الشرق الأوسط تتفاعل داخل مرجان توازنات وتفاعلات جيوسياسية أكثر تعقيداً من قدرة نتنياهو وإسرائيل على توجيهها حسب إرادتهما.

Exit mobile version