الهديل

خاص الهديل: لماذا تريد إسرائيل اغتيال السيد صفي الدين: مطاردة “الحلقة القيادية الأضيق للحزب”!! 

خاص الهديل…

 

بقلم: ناصر شرارة

نفذت إسرائيل منتصف ليل أمس سلسلة غارات جوية متتالية بقنابل خارقة ثقيلة الوزن (زنة طن من المتفجرات) داخل الضاحية، وقالت مصادر في الكيان إن هدفها هو اغتيال رئيس المكتب التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين.. وبدا واضحاً أن سلسلة غارات ليلة أمس تشبه من حيث الشكل والمضمون عملية الغارات التي تم من خلال تنفيذها اغتيال السيد حسن نصر الله. 

لم يصدر تأكيد رسمي من إسرائيل عن هدف هذه العملية الجوية العنيفة في الضاحية؛ ولكن مصادر أمنية إسرائيلية سربت للإعلام العبري والأجنبي أن هناك احتمالاً كبيراً، ولكنه حذر بأن تكون تل أبيب من خلال عملية الضاحية قد نجحت باغتيال السيد صفي الدين مع مجموعة من قادة الحزب كانوا يجتمعون معه. 

.. وبغياب أية رواية رسمية تنفي أو تؤكد صحة الخبر؛ فإن غارة ليلة أمس العنيفة والتي دكت حياً مدنياً بقنابل أميركية مخصصة لتدمير تحصينات عسكرية كبيرة، تثير التساؤل عن عدم أخلاقية الموقف الأميركي، وذلك بمثلما تقدم إثباتات جديدة عن همجية السلوك العسكري والسياسي الإسرائيلي.

وبكل الأحوال فإنه من زاوية تحليلية، وحتى قبل ظهور معلومات مادية، يمكن تسليط الضوء على خلفيات معينة توجه رغبة إسرائيل باغتيال السيد هاشم صفي الدين.. 

الخلفية الأولى تتعلق بموقع الاغتيالات كاستراتيجية داخل مجمل خطة “سهام الشمال”، وهي عنوان حرب إسرائيل الراهنة على لبنان.. 

وفي هذه الجزئية يجب الإشارة إلى أن “خطة سهام الشمال” ليست إلا عنواناً فرعياً داخل خطة أكبر إسمها “عربات النار” التي تم إجراء مناورات تطبيقية لها بين عامي ٢٠١٧ وبدايات العام ٢٠٢٣.

والهدف الأساسي والكبير لخطة عربات النار هو تنفيذ ضرب المفاعل النووي الإيراني قبل حلول العام ٢٠٢٦.

وبحسب الخطة فإنه في خلال الطريق للوصول إلى هدف ضرب النووي الإيراني؛ يجب القضاء على حزب الله..

.. والواقع أن البند المتفرع من متن خطة عربات النار؛ والخاص بالقضاء على حزب الله، تم الآن تسميته بخطة سهام الشمال المكونة من عدة نقاط، أبرز بند فيها تنفيذ اغتيالات بنيوية ضد كل قيادة حزب الله. 

لقد قطعت خطة سهام الشمال شوطاً كبيراً بتنفيذ سلسلة اغتيالات طالت الأمين العام لحزب الله وجزء كبيراً من أعضاء المجلس الجهادي (أعلى سلطة في الحزب)، الخ.. وليس خافياً أن إسرائيل تحاول استكمال سلسلة اغتيالاتها هذه لتشمل من تبقى من القيادة التاريخية للحزب.

.. وضمن هذا السياق الذي تنتهجه إسرائيل، فإن السيد هاشم صفي الدين يشكل هدفاً أساسياً لحرب الاغتيالات ولخطة سهام الشمال التي تنفذها الموساد بهدف تفكيك قدرات حزب الله ليس فقط على مستوى بناه العسكرية بل أيضاً على مستوى بنية القيادة السياسية المركزية فيه. فالسيد صفي الدين هو إبن خالة السيد حسن نصر الله؛ وعليه فإن علاقته به ليست فقط علاقة انتماء لمشروع ديني وسياسي واحد؛ بل علاقة قربى لصيقة.. أضف أن صفي الدين ونصر الله يشتركان بسمات تشابه خلقي كثيرة. وعليه فإن صفي الدين فيما لو وصل للأمانة العامة في الحزب، فهو سوف يشكل مع الاعتياد عليه ومع الوقت ونتيجة للتشابه الخلفي بينه وبين قريبه السيد نصر الله، امتداداً ليس فقط سياسياً بل بالأساس امتداداً عاطفياً لإبن خالته السيد نصر الله، وذلك داخل عيون جمهور الحزب الذي لا يزال توجد فئة واسعة منه لا تريد أن تصدق أن السيد نصر الله توفي فعلياً.. 

الخلفية الثانية التي توجه إسرائيل للعمل على اغتيال السيد هاشم صفي الدين تتعلق بمكانته الحساسة والهامة داخل البنية القيادية المركزية لحزب الله؛ فهو كان يعتبر داخل الحزب أنه الرجل الثاني بعد إبن خالته السيد نصر الله؛ أو بكلام أدق كان يعتبر الرجل الذي يلي من حيث الأهمية السيد حسن نصر الله داخل الحزب؛ كون مكانة الأخير داخل حزب الله كانت متقدمة بمسافات كبيرة عن كل الآخرين من باقي قادة الحزب.. ولكن – ومع ذلك – نجح السيد صفي الدين بأن يخلق خلال وجود السيد نصر الله، مكانة خاصة له داخل الحزب جعلته متقدماً على كل القادة الآخرين فيه عدا السيد نصر الله؛ وعليه كان يمكن وصف مكانته بأنه الرجل التالي بعد نصر الله، وبنفس الوقت – وهذا هو الأهم – انه الرجل الأول بين كل قادة الحزب الآخرين بإستثناء السيد نصر الله.

لا يسود انسجام بين السيد صفي الدين وبين عدد من مشايخ الحزب الهامين؛ فهؤلاء كانوا يعتقدون أن السيد نصر الله أعطى إبن خالته أكثر مما يستحق من النفوذ والصلاحيات.. ليس معروفاً ما إذا كان هؤلاء المشايخ سيصبحون الآن وبعد كل هذه التحديات التي يواجهها الحزب، أقل اهتماماً بالتباينات الشخصية فيما بينهم؛ بحيث تتولد لديهم قناعة بأن وحدتهم هي التي تحميهم حالياً. 

قبل اغتياله وصف السيد نصر الله الوضع داخل قيادة الحزب وذلك حينما قال ما معناه انه سيحتمي داخل حلقة القيادة الأضيق؛ ولا شك أن السيد صفي الدين هو أحد أعضاء هذه الحلقة الأضيق داخل قيادة حزب الله التي يفترض أنها هي من تقود الحزب بعد غياب السيد نصر الله. وبالنسبة لإسرائيل فإن رأس الخيط في حلقة القيادة الأضيق هو إبن خالة السيد ووريثه المحتمل والرجل الأكثر تداخلاً مع القيادة الإيرانية نظراً لارتباطات شخصية وعائلية تربطه بطهران.. وكل هذه العوامل تجعل تل أبيب معنية باغتيال صفي الدين كمدخل لزعزعة بنية “قيادة الحلقة الأضيق” لحزب الله التي شكلها السيد نصر الله لتقود الحزب، وذلك حينما تأكد أن الموساد أصبحت قريبة من امتلاك لحظة قدرتها على اغتياله.

Exit mobile version